و قال أبو الفداء في وصف الحيرة: و الحيرة اليوم على موضع يقال له: "النجف" زعم الأوائل أنّ بحر فارس كان يتّصل به و بينهما مسافة بعيدة. [1]
و قال ياقوت الحموي: كان بناء الحيرة في موضع يقال له: "النجف"، إذ زعموا أنّ بحر فارس كان يتّصل به و بالحيرة. [2]
و قال البحّاثة يوسف غنيمة: و عندنا أن ليس في ما ذكره ياقوت من غريب إذ أنّ مصبّ كلّ من دجلة و الفرات كان يبعد الواحد عن الآخر شقّة بعيدة في بعض أدوار التاريخ، و ليس نضوب بحر النجف أو بحيرة النجف كما يدعوها بعض الكتبة المحدثين ببعيد عنّا فإنّه جفّ سنة 1305 هـ-1887 م. [3]
أقول: و هناك من الأدلّة التاريخية ما خفيت على الحموي تؤكّد حقيقة اتّصال بحر النجف ببحر فارس، و كونه ميناء للملاحة مع العالم الخارجي كالهند و الصين، فقد ذكر الحموي نفسه أنّ في أرض النجف كان هناك ما يسمّى بالقائم. و هو بناء في غاية الإرتفاع كالعلم لهداية السفن القادمة.
قال ياقوت الحموي في"دير حنّة": هو دير قديم البناء بالحيرة منذ أيام بني المنذر لقوم من تنوخ يقال لهم بنو ساطع تقابله منارة عالية كالمرقب تسمّى"القائم"لبني أوس بن عمرو بن عامر، و فيه يقول الثرواني:
يا دير حنّة عند القائم الساقي # إلى الخورنق من دير ابن برّاق [4]
و لا يخفى أنّ مثل هذا القائم لا يتمّ إنشاؤه إلاّ لهداية السفن الكبيرة التي تستخدم عادة في الملاحة مع العالم الخارجي.