و قد جفّ نهر الحميدية الأول بصورة تامة سنة 1308 هـ لأسباب منها: أخذ الفلاّحين من مائه لسقي مزارعهم و بوقوع الرمال فيه من هبوب العواصف في الصيف، و من السيول في الشتاء.
و هذه صورة عريضة كتبها أهالي النجف إلى الوالي سرّي باشا في بغداد بعد انقطاع الماء عنهم طالبين أعادته، و صدّرت بأبيات هي:
يا والي الأمر إنّا غرس نعمتكم # قدما و منيتنا فيكم قد انتعشا
أجرى إلينا إمام العصر في يده # ماء تخلّل في أرياقنا و مشى
و اليوم قد عاق ذاك الماء عائقة # فإن بقى غرسكم يوما يمت عطشا
المعروض لدى ربيب الوزارة و المكفول بحجور الإمارة إنّا معاشر المجاورين لمرقد سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، مازلنا بالدعاء لدوام دولتكم العليّة المستمدّة بالفيوضات الإلهيّة، و قد تلطّف علينا سلطان هذا العصر و من بيده النهي و الأمر بماء سائغ الشراب، فكان من أنفاسه الطيّبة أحلى من الرضاب، و أعذب من ماء السحاب، فكم برّد للصدور من غلل، و شفى لجسوم المجاورين من علل.
فعند ذلك حمدنا اللّه تعالى شأنه لإجراء هذه الخيريّة على يد سلطان البريّة. و اليوم جاورتنا رجال من الأمة لا يرقبون في مؤمن إلاّ و لا ذمّة. فمنعوا الماء الذي هو حياة الأبدان لأجل زراعات ليست بالعيان. و ناهيك بذوي الزراعة من الأعراب و قساوة قلوبهم، فانّ الفلاّح لو دار الأمر عنده بين أن يتلف الوجود أو يذوي من زرعه عود، لاختار أوّل هذين الأمرين، فلا يبالي و لو بتلف الخافقين. فالرجاء من شفقتكم التصدّي لإجراء هذه الصدقة المستطابة، لتحظوا من المجاورين بالدعوات المستجابة.
لأنّ الأعراب لا قوّة لنا على دفعهم و لا طاقة لنا بمنعهم، و الذي علينا أن نرفع الشكاية لديكم و أمرنا إلى اللّه و إليكم و السلام. [1]