فلمّا جاء المتأخّرون و جدوا أحكاما مشهورة قد عمل بها الشيخ و متابعوه، فحسبوها شهرة بين العلماء، و ما دروا أنّ مرجعها إلى الشيخ، و أنّ الشهرة إنّما حصلت بمتابعته.
و ممّن اطّلع على هذا الذي بيّنته و تحقّقته من غير تقليد، الشيخ الفاضل المحقّق سديد الدين محمود الحمصي، و السيّد رضي الدين بن طاووس، و جماعة. [1]
و مع ما يظهر من كلام السيّد ابن طاووس من مبالغة و إنّه غير تام على هذا الإطلاق، و كذا ما يظهر من تعسّف في القول بأنّ كلّ مشهور بين العلماء بعد زمان الشيخ الطوسي هو ما عمل به الشيخ و متابعوه، إلاّ أنّه يكشف عن مدى بطء المسيرة العلمية التي أعقبت رحيل الشيخ الطوسي. و يمكن إرجاع هذا البطء في مسيرة النجف العلمية إلى ما يلي:
1-إنّ الحوزة العلمية في النجف كانت قصيرة العمر العلمي، إذ يبلغ عمرها اثني عشر عاما، و هي المدّة ما بين هجرة الشيخ الطوسي إلى النجف عام 448 هـ حتى رحيله عام 460 هـ، و في مثل هذه الفترة القصيرة لم يكن لدى طلبة الحوزة من النضوج الفكري الذي يؤهّلهم لتمحيص و نقد آراء أستاذهم الشيخ، فكان هناك بونا شاسعا بين ما وصل إليه الشيخ المؤسّس من مستوى علمي و مستوى طلبته في هذه الحوزة، و قد بقيت هذه الحالة لفترة طويلة من الزمن بعد وفاته.
2-ما وصل إليه الشيخ الطوسي من منزلة علمية جعلت منه مهابا و معظّما كلّ التعظيم لدى طلبة الحوزة النجفية، و قد طغى هذا الجانب الروحي على الجانب العلمي فلم يجرؤ أحد منهم على مناقشة آرائه بعد رحيله إجلالا له.
3-إنعزال مدينة النجف عن توطّن علماء المذاهب الإسلامية الأخرى ممّا جعل من الشيخ الطوسي في فترة إقامته في النجف في انقطاع عن المناظرة و المذاكرة العلمية مع علماء باقي المذاهب. و غير خفي أنّ في المناظرة و المذاكرة حياة العلم، و بها يستبين