نام کتاب : تاريخ الغيبة نویسنده : الصدر، السيد محمد جلد : 3 صفحه : 150
مرت البشرية، بحسب ما هو المقدر لها في التخطيط الإلهي العام، بشكلين منفصلين من الإيديولجية.
الشكل الأول: الاتجاه الذي ينفي ارتباط العالم بخالقه بالكلية. و نستطيع أن نسميه بالمادية المحضة أو الإلحاد التام.
الشكل الثاني: الاتجاه الذي يربط العالم بوجود لخالقه، بشكل و آخر.
و لكل من هذين الاتجاهين فروعه و انقساماته التي تختلف باختلاف المستوى العقلي و الحضاري للمجتمع البشري.
و يمكن القول بأن تاريخ البشرية على طوله عاش في الأعم الأغلب الاتجاه الثاني، بمختلف مستوياته، نتيجة لجهود الأنبياء و تربية الصالحين. و مهما فسد المنحرفون و المصلحون، فانهم لم يخرجوا عن الاعتراف الغامض بالخالق و الحكيم. و يكفينا مثالا على ذلك قوله تعالى على لسان مشركي قريش: «ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى»[1] فهم بالرغم من تطرفهم في الفكر، مؤمنون بالخالق، و من ثم مندرجون في الاتجاه الثاني. و على هذا الغرار.
يقابل ذلك، الاتجاه الأول الرافض لوجود الخالق تماما ... و المعطي زمام قيادة الإنسان بيد نفسه، بالرغم من قصوره و تقصيره.
و لم يوجد على مر التاريخ لهذا الاتجاه وجود مهم، فيما عدا الافكار الشخصية المتفرقة في التاريخ ... ما عدا مرتين- فيما نعرف-: المرة الأولى: الاتجاه المادية البدائية، المتمثلة بشكل رئيسي في قبائل يأجوج و مأجوج. و المرة الثانية: اتجاه المادية الحديثة المعاصرة، بمختلف أشكالها و ألوانها.
و قد كان المد المادي الأول خطرا و بالغ الضرر، على ذوي الاتجاه الثاني عموما، و بخاصة تلك الشعوب الصالحة المتبعة لدعوات الأنبياء. و لعل القسط الأهم من الضرر لم يكن هو الإفساد العقيدي، و إن كان هذا موجودا من أولئك الملحدين البدائيين ... و إنما الأهم من أشكال الضرر هو الضرر الاجتماعي و الاقتصادي و أشكال القتل و النهب الذي كانت توقعه القبائل البدائية الملحدة على المجتمع المؤمن.
و من هنا، خطط اللّه تعالى للقضاء الحاسم على هذا المدّ الواسع، بإيجاد قائد كبير