إذن فالغرض من الخليقة هو الحصول على هذا الكمال العظيم المتمثل بتوجيه العقيدة و المفهوم إلى اللّه عز و جل، و قصر السلوك على طاعته و عدله في كل حركة و سكون. و إذا نظرنا إلى حقيقة هذا الكمال من جوانبه المتعددة، و استطعنا تحصيل الفكرة المتكاملة عنه، عرفنا الهدف الالهي المقصود الذي أصبح هدفا لايجاد الخليقة.
الجانب الأول:
إيجاد الفرد الكامل. من حيث أن قصر الانسان نفسه على التربية بيد الحكمة الالهية الكبرى و تحت إشرافها و تدبيرها، يوجد فيه الإنسان العادل الكامل، الذي يعيش محض الحرية عن انحرافات العاطفة و المصالح الضيقة، و المساوق في انطلاقه مع انطلاقه الكون الكبرى إلى اللّه عز و جل.
الجانب الثاني:
إيجاد المجتمع الكامل، و البشرية الكاملة المتمثلة من مجموعة الأفراد الذين يعيشون على مستوى العدل و الاخلاص، و التجرد من كل شيء سوى عبادة اللّه تعالى، تلك العبادة التي تتضمن تربية الفرد و المجتمع، و الارتباط بكل شيء على مستوى العدل الالهي.
الجانب الثالث:
إيجاد الدولة العادلة التي تحكم المجتمع بالحق و العدل، بشريعة اللّه الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض و لا في السماء. و تكون هي المسئولة الأساسية عن السير قدما بالمجتمع و البشرية نحو زيادة في التكامل في الطريق الطويل غير المتناهي الخطوات.
فهذا هو معنى العبادة المقصود في الآية، و كل ما كان على خلاف ذلك فهو تقصير في العبادة الحقيقية تجاه اللّه عز و جل. و لا يمكن أن نفهم من الآية هذا المعنى القاصر بطبيعة الحال.