و رُبَّمَا اسْتُعْمِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ، يُقَالُ: هو خَلَفُ صِدْقِ مِن أَبِيهِ، إِذَا قَامَ مَقَامَهُ و كذا خَلَفُ سَوْءٍ مِن أَبِيهِ، بالتَّحْرِيكِ فيهما، و يُقَال: في هََؤلاءِ القَوْمِ خَلَفٌ مِمَّن مَضَى، أي: يَقُومُونَ مَقَامَهُم، و في فُلانٍ خَلْفٌ مِنْ فُلانٍ، أَو الْخَلْفُ ، بالسكونِ، و بِالتَّحْرِيكِ: سَوَاءٌ، قَالَهُ ابنُ شُمَيْلٍ، و قال الْأَخْفَشُ: الخَلْفُ و الخَلَفُ سَواءٌ، منهم مَن يُحَرِّك فيهما جَمِيعاً إذا أَضَافَ [2] ، و قال اللَّيْثُ: خَلْفٌ بالسُّكُونِ للأَشْرَارِ خَاصَّةً، و بِالتَّحْرِيكِ ضِدُّهْ، قَرْنًا [3] كان أَو وَلَداً.
قال ابنُ بَرِّيّ: و الصَّحِيحُ في هذا، و هو المُخْتَارُ، أنَّ الخَلَفَ ، بالتَّحْرِيك، خَلَفُ الإِنْسَانِ الذي يَخْلُفُه مِن بَعْدِه، يَأْتِي بِمَعْنى البَدَلِ، فيكونُ خَلَفاً منه، أي: بَدَلاً، و منه قَوْلُهُم: هََذا خَلَفٌ مِمَّا أُخِذَ لك، أي: بَدَلٌ منه، و لهذا جاءَ مَفْتُوحَ الأَوْسَطِ، ليَكُونَ عَلَى مِثَالِ البَدَلِ، و على مِثَالِ ضِدِّهِ أَيضاً، و هو العَدَمُ، و التَّلَفُ، و منه 16- الحديثُ : «اللَّهُمَّ أَعْطِ لِمُنْفِقٍ [4] خَلَفاً ، و لِمُمْسِكٍ تَلَفاً» . أي: عِوَضاً، يُقَال في الفِعْلِ منه: خَلَفَه في قَوْمِهِ، و في أَهْلِهِ، يَخْلُفُه خَلَفاً ، و خِلاَفَةً ، و خَلَفَنِي [5] فكانَ نِعْمَ الْخَلَفُ ، و بِئْسَ الخَلَفُ ، وَ الخَلَفُ في قَوْلِهم: نِعْمَ الخَلَفُ ، و بِئْسَ الخَلَفُ ، و خَلَفُ صِدْقٍ، و خَلَفُ سَوْءٍ، و خَلَفٌ صَالِحٌ، هو في الأَصْلِ مَصْدَرٌ سُمِّيَ به مَن يكونُ خَلِيفَةً ، و الجَمْعُ أَخْلاَفٌ، كما تقولُ:
قال: و أَمَّا الخَلْفُ ، سَاكِنُ الوَسَطِ، فهو الذي يَجِيءُ بعدَ الأَوَّلِ بمَنْزِلَةِ القَرْنِ بعدَ القَرْنِ، و الخَلْفُ : المُتَخَلِّفُ عن الأَوَّلِ، هالِكاً كان أو حَيَّا، و الخَلْفُ : الباقي بعدَ الهالكِ، و التَّابِعُ له، هو في الأَصْلِ أَيضاً مِن خَلَفَ ، يَخْلُفُ ، خَلْفاً ، سُمِّيَ به الخَلْفُ : الباقِي بعدَ يَخْلُفُ ، خَلْفاً ، سُمِّيَ به المُتَخَلِّفُ و الْخَالِفُ ، لا عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ، و جَمْعُهُ خُلُوفٌ ، كقَرْنٍ و قُرُونٍ.
قال: و يكون مَحْمُودًا و مَذْمُوماً، فشَاهِدُ المَحْمُودِ قَوْلُ حَسّانِ بنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللََّه عنه:
لَنا الْقَدَمُ الأُوْلَى إِلَيْكَ و خَلْفُنَا # لِأَوَّلِنَا في طَاعَةِ اللََّه تَابِعُ
فالخَلْفُ هنا: هو التَّابِعُ لِمَنْ مَضَى، و ليس مِن مَعْنَى الخَلْفِ الذي هو البَدَلُ، قال: و قيل: الخَلْفُ هنا المُتَخَلِّفُونَ عَن الأَوَّلِينَ، أي: البَاقُونَ، و عَلَيه قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ *[6] ، فسُمِّيَ بالمَصْدَرِ، فهذا قَوْلُ ثَعْلَبٍ، قال: و هو الصَّحِيحُ، و حكَى أَبو الحَسَنِ الأَخْفَشُ، في خَلْفِ صِدْقٍ، و خَلْفِ سَوْءٍ، التَّحْرِيكَ و الإِسْكَانَ، فقَالََ: و الصَّحِيحُ قَوْلُ ثَعْلَبٍ أنَّ الخَلَفَ يَجِيءُ بمَعْنَى البَدَلِ، و الخِلاَفَةِ ، و الخَلْفُ يَجِيءُ بمعْنَى التَّخَلُّفِ عمَّن تقدَّم.
قال: و يُسْتَعَارُ الخَلْفُ لِمَا لا خَيْرَ فيه، و كِلاَهُمَا سُمِّيَ بالمَصْدَرِ، أَعْنِي المَحمُودَ و المَذْمُومَ، فقد صارَ علَى هذا لِلفِعْلِ مَعْنَيانِ، خَلَفْتُهُ ، خَلَفاً : كنتُ بَعْدَه خَلَفاً منه و بَدَلاً، وَ خَلَفْتُه ، خَلْفاً جِئْتُ بَعْدَه، و اسْمُ الفاعِلِ مِن الأَوّلِ
[1] بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: إنا وجدنا... الخ لا ينطبق على ما قبله، لأن الخلف محركة، و هو خلف فاسد» و المثبت ضبط عن الصحاح، و في اللسان ط دار المعارف ضبطت خلفاً الأولى باسكان اللام. و جاء بعدهما فيه في مادة خضف:
أغلق عنّا بابه ثم حلف # لا يُدخل البواب إلاّ من عرف.
[2] زيد بعدها في اللسان: و من حرّك في خلف صدق و سكّن في الآخر فإنما أراد الفرق بينهما.
[3] عن المطبوعة الكويتية و بالأصل «قرفاً» و انظر على ما علّق فيها محققة، وَ انظر التهذيب 7/396 و في التهذيب 7/394 و قد يكون في الرديء خَلَف، و في الصالح خَلْف لأنهم يذهبون به إلى القَرْن... و في موضع آخر جوّز خَلْف باسكان اللام للرديء.