و في الأَسَاس: و مِنَ المَجَازِ: سُمِّيَ خَيْرُ الرِّيَاحِ ثَوَاباً ، كَمَا سُمِّيَ خَيْرُ النَّحْلِ[و هو العسل] [1] ثَوَاباً ، يُقَالَ: أَحْلَى مِنَ الثَّوَابِ ، و الثَّوَابُ : الجَزَاءُ، قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرُهُ كالأَزْهَرِيِّ أَنَّهُ مُطْلَقٌ في الخَيْرِ و الشَّرِّ لاَ جَزَاءُ الطَّاعَةِ فَقَطْ، كَمَا اقْتَصَر عَلَيْهِ الجَوْهَرِيّ، و اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ ثُوِّبَ اَلْكُفََّارُ[2] و قد صَرَّحَ ابنُ الأَثِيرِ في النهاية بأَنَّ الثَّوَابَ يَكُونُ في الخَيْرِ و الشَّرِّ، قَالَ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الخَيْرِ أَخَصُّ و أَكْثَرُ اسْتِعْمَالاً، قُلْتُ: و كذَا في لسان العرب.
ثُمَّ نقل شَيْخُنا عن العَيْنِيِّ في شرْح البُخَارِيِّ: الحَاصلُ بأُصُول الشَّرْع و العبَادَاتِ: ثَوَابٌ ، و بالكَمَالاَتِ: أَجْرٌ لأَنَّ الثَّوَابَ لُغَةً بَدَلُ العَيْنِ، و الأَجْرُ بَدَلُ المَنْفَعَة، إِلى هُنَا وَ سَكَتَ عَلَيْهِ، مع أَنَّ الذِي قاله من أَنَّ الثَّوَابَ لُغَةً بَدَلُ العَيْنِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ في الأُمَّهَاتِ اللُّغَوِيَّةِ فَلْيُعْلَمْ ذلكَ، كَالمَثُوبَةِقَالَ اللّهُ تَعَالَى: لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اَللََّهِ خَيْرٌ[3]
و المَثْوَبَةِ قال اللِّحْيَانِيُّ: أَثَابَه اللّهُ مَثُوبَةً حَسَنَةً، و مَثْوَبَةٌ بِفَتْحِ الواوِ شَاذُّ، و منه قَرَأَ مَنْ قَرأَ لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اَللََّهِ خَيْرٌ و أَثَابَهُ اللّهُ يُثِيبُهُ إِثَابَةً : جَازَاهُ، و الاسْمُ الثَّوَابُ ، و منْهُ 17- حَدِيثُ ابْنِ التَّيِّهَان : « أَثِيبُوا أَخَاكُمْ». أَيْ جَازُوهُ على صَنِيعِهِ وقد أَثْوَبَهُ اللّهُ مَثُوبة حَسَنَةً و مَثْوَبَةً ، فَأَظْهَرَ الوَاوَ عَلى الأَصْل، و قال الكلاَبيُّونَ: لا نَعرِف المَثْوَبَةَ و لكن المَثَابةَ وكذا ثَوَّبَهُ اللّهُ مَثُوبَتَهُ : أَعْطاهُ إِيَّاهاو ثَوَّبهُ من كذَا: عَوَّضَهُ.
و مَثَابُ الحَوْضِ و ثُبَتُهُ : وَسَطُه الذي يَثُوبُ إِليه الماءُ إِذا اسْتُفْرِغَ.
و الثُّبَةُ : مَا اجْتَمَعَ إِليهِ المَاءُ في الوَادِي أَو في الغَائِطِ، حُذِفَتْ عَيْنُهُ، و إِنَّمَا سُمِّيَتْ ثُبَةً لِأَنَّ المَاءَ يَثُوبُ إِلَيْهَا، و الهَاءُ عِوَضٌ عن الوَاوِ الذّاهِبَةِ من عَيْنِ الفِعْلِ، كما عَوَّضُوا من قَوْلِهِمْ أَقَامَ إِقَامَةً [4] ، كَذَا في لسان العرب، و لم يَذْكُرالمُؤَلِّفُ ثُبَة هنا، بل ذكره فِي ثَبي مُعْتَلِّ اللاَّمِ، و قد عَابُوا عَلَيْه في ذلك، و ذكرهُ الجَوْهَرِيّ هنا، و لكنْ أَجَادَ السَّخَاوِيُّ في سِفْرِ السَّعَادَةِ حَيْثُ قال: الثُّبَةُ: الجَمَاعَةُ فِي تَفَرُّقٍ، و هي مَحْذُوفَةُ اللاَّمِ، لأَنَّهَا من ثَبَيْتُ [5] أَي جَمَعتُ، وَ وَزْنُهَا على هذا فُعَةٌ، و الثُّبَةُ ، أَيْضاً: وَسَطُ الحَوْضِ، و هُو مِن ثَابَ يَثُوبُ ، لأَنَّ المَاءَ يَثُوبُ إِليها أَي يَرْجِعُ، و هِي مَحْذُوفَةُ العَيْنِ وَ وَزْنُهَا فُلَةٌ. انْتَهَى، نقله شَيْخُنَا.
قُلْتُ: و أَصْرَحُ مِن هذَا قَوْلُ ابْنِ المُكَرَّمِ رَحِمَهُ اللّهُ:
الثُّبةُ : الجمَاعةُ مِنَ النَّاسِ و يُجْمَعُ عَلَى ثُبًى ، و قد اختلَفَ أَهْلُ اللَّغَةِ فِي أَصْلِهِ [6] فَقَال بَعْضُهُمْ: هي من ثَابَ أَي عَادَ و رجعَ، و كان أَصْلُهَا ثُوَبَةً ، فَلَمَّا ضُمَّتِ الثاءُ حُذِفَتِ الوَاو، و تَصْغِيرُهَا ثُوَيْبَةٌ ، و من هذا أُخِذَ ثُبَةُ الحَوْضِ و هو وَسَطَهُ الذي يَثُوبُ إِليه بَقِيَّةُ المَاءِ و قولِهِ عزَّ و جلَّ: فَانْفِرُوا ثُبََاتٍ أَوِ اِنْفِرُوا جَمِيعاً[7] قال الفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ فانْفِرُوا عُصَباً إِذَا دُعيتُمْ إِلى السَّرَايا أَو دُعيتُمْ لتَنْفِرُوا جَمِيعاً، 17- و رُويَ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ سَلاَّمٍ سأَلَ يُونُسَ عن قَوْلِهِ عزَّ و جلَّ: فَانْفِرُوا ثُبََاتٍ أَوِ اِنْفِرُوا جَمِيعاً قال: ثُبَةٌ و ثُبَاتٌ أَي فرْقَةٌ و فِرَقٌ. و قال زُهَيْرٌ:
قال أَبو مَنْصُورٍ: الثُّبَاتُ : جَمَاعَاتٌ في تَفْرِقَةٍ، و كلُّ فِرْقَة: ثُبَةٌ ، و هَذَا مِن ثاب ، و قال آخَرُونَ: الثُّبَةُ من الأَسْمَاءِ النَّاقِصَةِ، و هو في الأَصْل ثُبَيَة، فالسَّاقطُ لاَمُ الفعْلِ في هذا القَوْلُ و أَما في القول الأَولِ فالسّاقِطٌ عَيْنُ الفِعْلِ، انْتَهَى، فإِذا عَرَفْتَ ذلك عَلمْتَ أَنَّ عَدَمَ تَعَرُّض المُؤَلِّفِ لِثُبَةٍ بمعْنَى وَسَطِ الحَوْضِ في ثَابَ غَفْلَةٌ و قُصُورٌ.
وَ مَثَابُ البِئرِ: مَقَامَ السَّاقِيمِنْ عُرُوشهَا على فَمِ البِئْرِ [8] ، قال القُطَامِيُّ يَصفُ البِئرَ و تَهَوُّرَهَا: