تكفي و تفي بإثبات ما يُراد إثباته عادةً بالسيرة في الأمور التي يرى الفقيه التحرّج في الخروج عنها و مخالفة الأقدمين من الأصحاب فيها، و بعد أن هُدّمت تلك المباني، شككنا فيها، حينئذٍ: بدأ يتّسع في الفقه الاعتماد على السيرة، و من هنا، كان من الضروريّ عقد بحث مستقلّ في علم الأصول للبحث عن السيرة.
و نقصد بالسيرة ما هو أعمّ من السلوك و الفعل الخارجيّ، بحيث يشمل المرتكزات العقلائيّة، و لا يختصّ بخصوص التصرّف العمليّ الخارجيّ.
و الجامع هو المواقف العقلائيّة إذا كان للعقلاء موقف، سواء كان على مستوى السلوك الخارجيّ، أو على مستوى البناءات و المرتكزات، كما أنّ المراد بالسيرة العقلائيّة، هو الأعمّ من سيرتهم بما هم عقلاء، أو بما هم متشرّعة، و قد يُطلق على الأوّل: السيرة العقلائيّة بالمعنى الأخصّ، و يقابله السيرة الثانية.
و موضوع البحث في المقام: الأعمّ، أي: جامع السيرة.
و الكلام يقع في عدّة جهات:
الجهة الأُولى: هي أنّ السيرة العقلائيّة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل: هو سيرة منقّحة لموضوع الحكم الشرعيّ، و ليست مشرّعة،
و ذلك بأن نفترض أنّ الدليل دلّ على حكم شرعيّ مترتّب على موضوع كلّيّ، و السيرة العقلائيّة توجب إثبات ذلك الموضوع، و حينئذٍ: يلحقه حكمه لا محالة.
فالحكم هنا لم يثبت بدليليّة السيرة، بل ثبت بإطلاق دليله الذي هو آية أو رواية، و إنّما السيرة منقّحة لموضوع ذلك الحكم، و هذا له نحوان: