فهو كشف له أنه واحد اللّه في التخصيص، و الشفاعة تدل على ذلك و أشباهها.
* قلت: فهو (صلى اللّه عليه و سلّم) الشفيع، و شفيع المذنبين، صاحب الشفاعة الكبرى.
و صاحب الشيء مستحقّه المختصّ به دون من سواه، و لما كان (صلى اللّه عليه و سلّم) المختصّ بدعوة الشفاعة كما قال (صلى اللّه عليه و سلّم): «لكلّ نبيّ دعوة، فمنهم من يجعلها في دنياه، و منهم من جعلها دعاء على قومه، و إنّي اختبأت دعوتي؛ شفاعة لأمّتي يوم القيامة [1]».
فهو (صلى اللّه عليه و سلّم) المخصوص بمطلق الشفاعة من حيث جرت و على أيّ شفيع أجريت، ثم هو (صلى اللّه عليه و سلّم) ظاهر الاختصاص بأجلّها و أعلاها و أكبرها، فكبر الشفاعة التي يظهر للخاصّ و العامّ اختصاصه بها من حيث الكبر ما ظهرت للعيان أتته، و اشترك جميع الناظرين في رؤيته، و له الكبرياء في السماوات و الأرض، فمن حيث ظهر موجود السماء و الأرض كان له فيه تعالى الكبرياء، و من حيث بطن موجود الملكوت كان فيه العلوّ، فأظهر شفاعاته للخلائق شفاعته يوم الجمع في استفتاح الحكم و إنقاذ الخلائق من أسرار الوقوف و خطر الانتظار؛ ليفصل سبيل الخلق إلى سبيل المعاد بإنقاذ الجزاء و بما يتبع كبراها الظاهرة من شفاعات الشفعاء دونها يتّضح وجه الكبر في الشفاعة الجامعة.
ورد أن موطنا من مواطن يوم الجمع يظهر الحق تعالى لمحة من سطوته فيراع لها قلوب الأولين و الآخرين إلا من شاء اللّه، فيقول آدم (عليه السّلام): «لا أسألك اليوم شيث ابني، لا أسألك إلا نفسي [2]».
و يقول نوح (عليه السّلام): «لا أسألك اليوم سام ابني، لا أسألك إلا نفسي [3]».