الجامعة في طينته المخصوصة (صلى اللّه عليه و سلّم)، فظهر في هذا الوجود مرتين مرة بطريق التفصيل في أطوار رقائق الأنبياء و المرسلين قبله، و مرة بطريق الإجمال.
و معلوم أن الإجمال بعد التفصيل، و لهذا ختمت به النبوة، فلا نبي بعده لتمام التفصيل بإجماله (صلى اللّه عليه و سلّم)، انتهى منه بلفظه.
و قلت: فهو (صلى اللّه عليه و سلّم) النسخة الصغرى و هي العبد الكامل الذي كان مظهرا لكل اسم إلهيّ من غير أن يغلب عليه اسم من الأسماء، و يسمّى من وجه بالخليفة و النائب، و هو الرداء على الحق، و قد يستهلك بالحق بحيث لا يظهر له وجود عين أصلا، فيكون حقّا كله و الانفعالات تقع منه من غير أن تنسب إلى شيء من وجوده.
و إليه الإشارة بقوله (صلى اللّه عليه و سلّم): «و اجعلنى نورا [1]»: أي حقّا يظهر في كل شيء و لا أظهر بشيء، و قد يستهلك الحق به، فكل شيء ينسب لوجوده، و يكون هو المرتدي و الحق رداءه، فالمرتدي هو المستهلك فيه، فإذا كان العبد رداء كان هو الظاهر و الحق باطن، و إذا كان الحق رداء فالأمر بالعكس.
و قد أشار حضرة الشيخ الأكبر إلى هذا في المسائل الترمذية بقوله: أنا البرداء، أنا السر الذي ظهرت في ظلمة الكون؛ إذ صيرتها نورا، فهذا الخليفة مع صغر حجمه جمع مظهره و عينه كل مظهر، و عين من العلوي و السفلي، فما من شيء إلا و هو تفصيله و جزء منه، بمعنى أن فيه أنموذج كل شيء كما سيذكر، إلا أن الأشياء أجزاؤه حقيقة كما يتوهم، بل هو مبدأ الآثار في كل شيء.
و تمام هذه النسخة المظهر المحمدي الأتم، و كون غيره من الكمّل متحققا بهذه النسخة، باعتبار أنه مظهر من مظاهره (صلى اللّه عليه و سلّم) التي تفرّعت عنها النسخة الكبرى، أعني هذا العالم الكبير الهضل، فإنه بأجمعه تفصيل مظهره (صلى اللّه عليه و سلّم) في كل مرتبة.
أما في الأعيان و الصور فلما قدمناه من أنه أول تعين للحق تعالى، مشتمل و منطو على