نام کتاب : الأمالي - ط دار الفكر العربي نویسنده : السيد الشريف المرتضي جلد : 1 صفحه : 56
أراد أنك لا تحكم أبدا. فإن قيل: و من أين قلتم: إن ما علقه به لا يقع حتى حكمتم بأنه أراد نفى الملل على سبيل التأبيد؟قلنا: معلوم أنّ الملل لا يشمل البشر فى جميع آرابهم [1] و أوطارهم، و أنهم لا يعرون من حرص و رغبة و أمل و طمع، فلهذا جاز أن يعلّق ما علم تعالى أنه لا يكون بمللهم.
و الوجه الثانى أن يكون المعنى أنه لا يغضب عليكم و يطرحكم حتى تتركوا العمل له، و تعرضوا عن سؤاله، و الرغبة فى حاجتكم إلى جوده؛ فسمّى الفعلين مللا؛ و إن لم يكونا على الحقيقة كذلك؛ على مذهب العرب فى تسميتها الشيء باسم غيره إذا وافق معناه فى بعض الوجوه، قال عدىّ بن زيد العبادىّ:
ثمّ أضحوا لعب الدّهر بهم # و كذاك الدّهر يؤدى بالرّجال [2]
و قال عبيد بن الأبرص الأسدىّ:
سائل بنا حجر ابن أمّ قطام إذ # ظلّت به السّمر الذّوابل تلعب [3]
فنسبا اللّعب إلى الدهر و القنا تشبيها؛ و قال ذو الرّمة:
و أبيض موشيّ القميص نصبته # على خصر مقلات سفيه جديلها [4]
فسمّى اضطراب زمامها، و شدة تحركه سفها؛ لأن السفه فى الأصل هو الطيش و سرعة الاضطراب/و الحركة، و إنما وصف ناقته بالذكاء و النشاط. فأما قوله: «و أبيض موشيّ القميص» فإنما عنى به سيفه، و قميصه: جفنه، و المقلات: الناقة التى لا يعيش لها ولد.
و الوجه الثالث أن يكون المعنى أنه تعالى لا يقطع عنكم فضله و إحسانه حتى تملّوا من سؤاله، ففعلهم ملل على الحقيقة، و سمّى فعله تعالى مللا، و ليس بملل على الحقيقة للازدواج