إن سأل سائل عن قوله تعالى: لاََ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اَلْيَوْمَ يَغْفِرُ اَللََّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ اَلرََّاحِمِينَ ؛ [يوسف: 92]، حاكيا عن يوسف عليه السلام.
فقال: لم خصّ «اليوم» بالقول، و إنما أراد العفو عنهم فى جميع مستقبل أوقاتهم؟ الجواب، قلنا: فى هذه الآية وجوه أربعة:
أولها أنه لما كان هذا الوقت الّذي أشار إليه [1] هو أوّل أوقاته التى كشف فيها نفسه، و أطلعهم على ما كان يستره [2] عنهم من أمره؛ أشار إلى الوقت الّذي لو أراد الانتقام لابتدأ به فيه؛ و الّذي متى عفا فيه عنهم [3] لم يراجع الانتقام.
و ثانيها أنّ يوسف عليه السلام لما قدّم توبيخهم، و عدّد عليهم قبيح ما فعلوه، و عظيم ما ارتكبوه؛ و هو مع ذلك يستر عليهم [4] نفسه، و لا يفصح لهم بحاله قال لهم عند تبين أمرهم: لاََ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اَلْيَوْمَ ؛ أى قد انقطع عنكم توبيخى، و مضى عذلى و لائمتى عند اعترافكم بالذنب، و كان ذكر «اليوم» دلالة على انقطاع المعاقبة و التوبيخ؛ و على أنّ الأوقات المتصلة باليوم تجرى مجراه فى زوال الغضب، و تمام العفو، و سقوط المواقفة لهم على ما سلف منهم.
و ثالثها أنّ ذكر «اليوم» المراد به الزمان و الحين، فوضع «اليوم» موضع الزّمان كلّه، المشتمل على الليالى و الأيام و الشهور و السنين؛ كما يقول العربى لغيره: قد كنت تستحسن شرب الخمر فاليوم قد وفّقت لتركها و مقتها؛ يريد فى هذا الزمان، و لا يريد يوما واحدا بعينه؛ و مثله: