و من طريف ذلك أن يكون بعض جهّالهم معتقدا و قائلا: إن البيت لعائشة، لما لعله يجده من لفظ مجمل أو محتمل في تسمية بيوت نبيهم (صلّى اللّه عليه و آله) باسم نسائه، فيتوهّم أن ذلك يدلّ على أن البيوت ملك لنساء نبيهم (صلّى اللّه عليه و آله). و من المعلوم للعقلاء أن لو كان البيوت ملكا لنسائه، لكان نزيلا على نسائه بالمدينة و في سكناهن، و لا خلاف بين المسلمين في تكذيب ذلك و أن نبيهم (صلّى اللّه عليه و آله) استأنف بيوته و عمّرها بعد قدومه بالمدينة.
و قد تقدّم ما يدلّ على أن عائشة لم يكن لها بيت تملكه بالمدينة، و إذا كنّ الزوجات ساكنات في بيوت الأزواج، فيقال للنساء على سبيل الاستعارة و المجاز أنها بيوتهن لأجل سكناهن بها، كما يقال: بيت النملة و بيت الدواب و نحو ذلك، و إن كانت النملة و نحوها لا تملك بيتا و لا شيئا.
و قد تضمّن كتابهم تصديق ذلك فقال: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ»[1]؛ و معلوم أن البيوت كانت للأزواج، فلو كانت البيوت للمطلّقات ما جاز إخراجهن منها، سواء أتين بفاحشة أو لم يأتين. فبطل أن يكون البيوت لنساء نبيهم (صلّى اللّه عليه و آله) على كل حال، و إن دعوى عائشة لذلك كان ظلما لا يحلّ بحيلة محتال.
و ذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين من المتفق عليه من مسند عبد اللّه بن زيد بن عاصم الأنصاري عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله)، أنه قال: «ما بين بيتي و منبري روضة من رياض الجنة»، و ما قال نبيهم (صلّى اللّه عليه و آله): ما بين بيت عائشة و منبري.
و روى الحميدي أيضا هذا الحديث بألفاظه عن نبيهم (صلّى اللّه عليه و آله) في مسند أبي هريرة في المتفق عليه في الحديث السابع عشر بعد المائة.
و رأيت هذا الحديث في صحيح مسلم من نبيهم (صلّى اللّه عليه و آله) في المجلد الثاني بلفظ آخر و هو: «ما بين منبرى و بيتي روضة من رياض الجنة».