لا يصاب الخشاش منه بكلم * * * دون عنف منه و دون التواء
لا يملّ المسير فيه عناء * * * أو يكلّ الساري به من عياء
و سقاهم من منهل الحق وردا * * * عذبا سائغا لفرط الصفاء
تطفح الضفّتان منه معينا * * * خالصا من ترنّق الأقذاء
و لعادوا عند الصدور بطانا * * * بعد شبع الطاوي بخير امتلاء
مع رشد لهم و نصح مبين * * * منه يبدو في الجهر شبه الخفاء
و هو في العيش لم يكن يتحلّى * * * منه في طائل بطول البقاء
ليس يحظى بنائل قطّ منها * * * بعد زهد عن نيله و جفاء
غير ريّ لناهل حين يظمى * * * مع شبع لكافل [1]من غذاء
و تجلّى عن المطامع زهد * * * لهم صادق بغير افتراء
قال: لو آمنوا فتحنا عليهم * * * بركات من الثرى و السماء
غير أن القرى بغت فاستحقّت * * * بعد جحد النعماء سوء الجزاء
و بحق لو عشت أبصرت أمرا * * * عجبا في الزمان دون انقضاء
أيّ عذر لهم بما اكتسبوه * * * من عظيم الإجرام و الأخطاء
أ فلا يعلمون ما اجترموه * * * من حرام في عترة الأزكياء
حينما استبدلوا القوادم منا * * * بالذنابي منهم بغير ارعواء
و استعاضوا عن كاهل الدين كفرا * * * و ضلالا بالعجز دون اهتداء
فابتعادا لمن أساءوا و ظنّوا * * * أنهم يحسنون دون اتقاء
ويحهم للرشاد من كان يهدي * * * من سواه أحقّ بالاقتداء
ما لهم يحكمون من غير علم * * * بعد جهل منهم بعدل القضاء
فانتظارا فسوف تنتج مما * * * لقحت كل فتنة عشواء
و سيملى منها نجيعا عبيطا * * * و ذعافا في الحلب كلّ إناء
و يرى الآخرون ممّا بناه * * * لهم الأوّلون غبّ البناء
و لتطيبوا عن الحياة نفوسا * * * و استعدّوا للفتنة العمياء
[1]. الكافل: الذي يصل الصيام و لم يصب غذاء و لا عشاء.