و بقي هنا إشكال آخر، و هو إن طلب الحق و المبالغة فيه و إن لم يكن منافيا للعصمة، لكن زهدها (عليها السلام) و تركها للدنيا و عدم اعتدادها بنعيمها و لذاتها و كمال عرفانها و يقينها بفناء الدنيا و توجه نفسها القدسية و انصراف همّتها العالية دائما إلى اللذات الدنيوية و الدرجات الأخروية، لا تناسب مثل هذا الاهتمام في أمر فدك و الخروج إلى مجمع الناس و المنازعة مع المنافقين في تحصيله.
و الجواب عنه و من وجهين:
الأول: إن ذلك لم يكن حقا مخصوصا لها، بل كان أولادها البررة الكرام مشاركين لها فيه، فلم يكن يجوز لها المداهنة و المساهلة و المحاباة و عدم المبالات في ذلك، ليصير سببا لتضييع حقوق جماعة من الأئمة الأعلام (عليهم السلام) و الأشراف الكرام. نعم، لو كان مختصّا بها كان لها تركه و الزهد فيه و عدم التأثّر من فوته.
الثاني: إن تلك الأمور لم تكن لمحبة فدك و حبّ الدنيا، بل كان الغرض إظهار ظلمهم و جورهم و كفرهم و نفاقهم، و هذا كان من أهمّ أمور الدين و أعظم الحقوق على المسلمين.
و يؤيّده أنها (عليها السلام) صرّحت في آخر الكلام به حيث قالت: «قلت ما قلت على معرفة منّي بالخذلة»، و كفى بهذه الخطبة بيّنة على كفرهم و نفاقهم، انتهى.
و ظفرت بهذا الكلام منه بعد ما قدّمته في المقام، و بينهما عموم من وجه؛ اشتمل كل منهما على ما يشمل عليه الآخر، فلا يعدّ ذلك من باب الإعادة الخالية عن الفائدة.
المصادر:
1. اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء (عليها السلام): ص 321.
2. فاطمة الزهراء (عليها السلام) لملّا داود الكعبى عن اللمعة البيضاء بنقيصة منها.