لما بلغ فاطمة (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منعها حقها من فدك، لاثت خمارها و أقبلت في لمّة من حفدتها و نساء قومها، تطأ ذيولها، لا تخرم مشية رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، حتى دخلت علي أبي بكر، و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار.
فلطّت دونها ملاءة، ثم أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء و النحيب. ثم أمهلت حتى إذا هدأت فورتهم و سكنت روعتهم، افتتحت الكلام بالحمد للّه و الثناء عليه، و الصلاة علي رسوله (صلّى اللّه عليه و آله) في كلام طويل من الثناء و التمجيد.
ثم قالت:
أنا فاطمة و أبي محمد (صلّى اللّه عليه و آله)؛ أقولها عودا على بدء، ما أقول إذ أقول سرفا و لا شططا؛ «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ»[1]، و إن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، و أخا ابن عمي دون رجالكم، و لنعم المعزيّ إليه (صلّى اللّه عليه و آله).
فبلّغ النذارة صادعا بالرسالة، ناكبا عن سنن المشركين، ضاربا لأثباجهم، آخذا بأكظامهم، داعيا إلي سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة، يفضّ الهام، و يجذّ الأصنام، حتى انهزم الجمع، و ولّوا الدبر، و حتى تفرّى الليل عن صبحه، و أسفر الحق عن محضه، و نطق زعيم الدين، و خرست شقاشق الشياطين، و فهتم بكلمة الإخلاص، «وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ»[2]، مذقة الشارب، و نهزة الطامع، و قبسة العجلان، و موطئ الأقدام.