لما بلغ فاطمة (عليها السلام) أن أبا بكر أظهر منعها فدكا، لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمّة من حفدتها و نساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشية رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم.
فنيطت دونها ملاءة، ثم أنّت أنّة، أجهش لها القوم بالبكاء. ثم أمهلت هنيهة، حتى إذا سكنت فورتهم، افتتحت كلامها بحمد اللّه و الثناء عليه، ثم قالت:
«لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ». [1] فإن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، و أخا ابن عمي دون رجالكم. فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة، مائلا عن مدرجة المشركين، ضاربا لحدتهم؛ يجذّ الأصنام، و ينكث الهام، و يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة، حتى تفرى الليل عن صبحه، و أسفر الحق عن محضه، و نطق زعيم الدين، و خرست شقاشق الشياطين، و تمّت كلمة الإخلاص، «وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ»[2]؛ نهزة الطامع، و مذقة الشارب، و قبسة العجلان، و موطئ الأقدام؛ تشربون الطرق، و تقتاتون القدّ، أذلة خاسئين.
حتى استنقذكم اللّه و رسوله (صلّى اللّه عليه و آله) بعد اللتيا و التي، و بعد أن مني ببهم الرجال، و ذؤبان العرب، و مردة أهل الكتاب. كلما أوقدوا نارا للحرب و فغرت فاغرة، قذف أخاه في لهواتها؛ فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، و يطفئ عادية لهبها بسيفه، و أنتم في رفاهية آمنون وادعون.