حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ». [1] فإن تعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، و أخا ابن عمي دون رجالكم، و لنعم المعزّي اللّه؛ (صلّى اللّه عليه و آله).
فبلّغ الرسالة صادعا بالنذارة، مائلا عن مدرجة المشركين، ضاربا ثبجهم، آخذا بأكظامهم، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة، بكسر الأصنام و بنكث الهام، حتى انهزم الجمع و ولّوا الدبر، حتى تغرّ الليل عن صبحه، و أسفر الحق عن محضه، و نطق زعيم الدين، و خرست شقائق الشياطين، و طاح وسيط النفاق، و انتحلّت عقد الكفر و الشقاق، و فهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص، «وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ»[2]، مذقة الشارب، و نهرة الطامع، و قبسة العجلان، و موطئ الأقدام؛ تشربون الطرق، و تقتاتون القدّ، أذلّة خاسئين؛ تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم.
فأنقذكم اللّه تبارك و تعالى بمحمد و آله (عليهم السلام) بعد اللتيا و اللتي، و بعد أن مني بهم الرجال و ذؤبان العرب و مردة أهل الكتاب، كلّما أوقدوا نارا للحرب أطفأ اللّه، و نجم قرن الشيطان و فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه، و يخمد لهبها بسيفه؛ مكدودا في ذات اللّه، مجتهدا أمر اللّه، قريبا من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)؛ سيد أولياء اللّه، مشمّرا ناصحا مجدّا كادحا، و أنتم في رفاهة العيش وادعون فاكهون آمنون، تتربّصوا بنا الدوائر، و يتوكّفون الأخبار، و تنكصون عند النزال، و تفرّون من القتال.
فلما اختار اللّه لنبيه (صلّى اللّه عليه و آله) دار أنبيائه و مأوى أصفيائه، ظهر فيكم النفاق، و أسمل جلباب الدين، و نطق كاظم الغاوين، و ينغ خامل الآفلين، و هد فسق المبطلين. فخطر في عرصاتكم، و أطلع الشيطان رأسه من مغرورة هاتفا بكم. فألقاكم لدعوته مستجيبين، و اللغرة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم ناهضين خفافا، و أحمشكم فألقاكم غضبابا. [3] فوسمتم غير إبلكم، و أوديتم غير مشربكم.