ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها؛ تشربون حسوا في ارتغاء، و نصبر منكم على مثل حزّ المدى، و أنتم الآن تزعمون لا إرث لنا؛ «أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ». [1]
إيها معشر المسلمة المهاجرة! أ أبتزّ إرث أبيه؟ أبى اللّه في الكتاب- يا ابن قحافة- أن ترث أباك و لا أرث أبيه؛ لقد جئت شيئا فريا. فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك؛ فنعم الحكم اللّه و الزعيم محمد (صلّى اللّه عليه و آله) و الموعد القيامة، «و عند السَّاعَةُ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ و لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ». [2]
ثم انكفأت على قبر أبيها (صلّى اللّه عليه و آله) فقالت:
قد كان بعدك أبناء و هنبثة * * * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * * * و اختلّ أهلك فاحضرهم و لا تغب
و ذكر أنها لما فرغت من كلام أبي بكر و المهاجرين، عدلت إلى مجلس الأنصار فقالت:
يا معشر الفئة و أعضاد الملة و حضنة الإسلام! ما هذه الفترة في حقي و السنة في ظلامتى؟ أ ما كان لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أن يحفظ في ولده؟ لسرع ما أحدثتم و عجلان ذا إهانة! أ تقولون: مات محمد (صلّى اللّه عليه و آله)؟ فخطب جليل، استوسع وهيه، و استنهر فتقه، و فقد راتقه، و أظلمت الأرض لغيبته، و اكتأبت خيرة اللّه لمصيبته، و خشعت الحبال، و أكدت الآمال، و أضيع الحريم، و أزيلت الحرمة عند مماته (صلّى اللّه عليه و آله)؛ و تلك نازلة علن بها كتاب اللّه أفنيتكم فى ممساكم و مصبحكم، تهتف في أسماعكم و لقبله ما حلّت بأنبياء اللّه و رسله (صلّى اللّه عليه و آله): «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ». [3]