فغرت للمشركين فاغرة قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفي حتى يطأ صماخها بأخمصه، و يطفئ عادية لهبها- أو قالت: و يخمد لهبتها- بحده، مكدودا في ذات اللّه، و أنتم في رفاهية فكهون آمنون وادعون.
إلى هاهنا انتهى خبر أبي العيناء عن ابن عائشة، و زاد عروة بن الزبير عن عائشة:
حتى إذا اختار اللّه لنبيه (صلّى اللّه عليه و آله) دار أنبيائه، ظهرت حسيكة النفاق، و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين، و نبغ خامل الآفكين، و هدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، و اطلع الشيطان رأسه صارخا بكم. فدعاكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، و للغرة ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، و أحمشكم فألفاكم غضابا. فوسمتم غير إبلكم، و وردتم غير شربكم.
هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجرح لمّا يندمل، إنما زعمتم ذلك خوف الفتنة «أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ». [1]
فهيهات منكم و أنّى بكم و أنّى تؤفكون و كتاب اللّه بين أظهركم، زواجره بيّنة، و شواهده لائحة، و أوامره واضحة، أرغبة عنه تريدون، أم بغيره تحكمون؛ «بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا»[2]، «وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ». [3]
ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها تسرّون حسوا في ارتغاء، و نصبر منكم على مثل حزّ المدى، و أنتم الآن تزعمون ألّا إرث لنا، «أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ تبغون وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ». [4]