فأنى حرتم بعد البيان، و نكصتم بعد الإقدام، و أسررتم بعد الإعلان لقوم نكثوا أيمانهم تخشونهم «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»[1]، إلا قد رأى أن أخلدتم إلى الخفض، و ركنتم إلى الدعة.
فعجتم عن الدين، و بحجتم الذي وعيتم، و دسعتم الذي سوّغتم؛ «إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ». [2] ألا و قد قلت الذي قلته على معرفة مني بالخذلان الذي خامر صدوركم و استشعرته قلوبكم، و لكن قلته فيضة النفس، و نفثة الغيظ، و بثّة الصدر، و معذرة الحجة.
فدونكموها فاحتقبوها مدبرة الظهر، ناكبة الحق، باقية العار، موسومة بشنار الأبد، موصولة بنار اللّه الموقدة، «الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ». [3] فبعين اللّه ما تفعلون، «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»[4]، و أنا ابنة نذير لكم، بين يدي عذاب شديد؛ فاعملوا إنا عاملون و انتظروا إنا منتظرون.
قال أبو الفضل: و قد ذكر قوم أن أبا العيناء ادعى هذا الكلام، و قد رواه قوم و صحّحوه و كتبناه على ما فيه.
و حدثني عبد اللّه بن أحمد العبدي، عن حسين بن علوان، عن عطية العوفي، أنه سمع أبا بكر يومئذ يقول لفاطمة (عليها السلام): يا بنة رسول اللّه! لقد كان [ابوك] (صلّى اللّه عليه و آله) بالمؤمنين رءوفا رحيما و على الكافرين عذابا أليما، و إذا عزوناه كان أباك دون النساء و أخا ابن عمك دون الرجال؛ آثره على كل حميم و ساعده على الأمر العظيم؛ لا يحبكم إلا العظيم السعادة و لا يبغضكم إلا الرديء الولادة، و أنتم عترة اللّه الطيبون، و خيرة اللّه المنتخبون؛ على الآخرة أدلّتنا، و باب الجنة لسالكنا.