ثم التفتت إلى قبر أبيها و تمثّلت بأبيات صفية بنت عبد المطلب:
قد كان بعدك أنباء و هنبثة * * * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * * * و اجتثّ أهلك مذ غيّبت و اغتصبوا
أبدت رجال لنا فحوى صدورهم * * * لما نأيت و حالت بيننا الكثب
تهجّمتنا ليال و استخفّ بنا * * * دهر فقد أدركوا منا الذي طلبوا
قد كنت للخلق نورا يستضاء به * * * عليك تنزل من ذي العزة الكتب
و كان جبريل بالآيات يؤنسنا * * * فغاب عنا فكل الخير محتجب
فقال أبو بكر: صدقت يا بنت رسول اللّه، لقد كان أبوك بالمؤمنين رءوفا رحيما و على الكافرين عذابا أليما، و كان و اللّه إذا نسبناه وجدناه أباك دون النساء، و أخا ابن عمك دون الرجال؛ آثره على كل حميم و ساعده على الأمر العظيم، و أنتم عترة نبي اللّه الطيبون، و خيرته المنتجبون على طريق الجنة أدلّتنا، و أبواب الخير لسالكينا.
فأما ما سألت، فلك ما جعله أبوك و أنا مصدّق قولك، لا أظلم حقك.
و أما ما ذكرت من الميراث، فإن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث.
فقالت فاطمة (عليها السلام): يا سبحان اللّه! ما كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال مخالفا و لا عن حكمه صادفا؛ فلقد كان يلتقط أثره و يقتفي سيره. أ فتجمعون إلى الظلامة الشنعاء و الغلبة الدهياء، اعتلالا بالكذب على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و إضافة الحيف إليه؛ و لا عجب إن كان ذلك منكم و في حياته ما بغيتم له الغوائل، و ترقّبتم به الدوائر.
هذا كتاب اللّه حكم عدل و قائل فصل عن بعض أنبيائه إذ قال: «يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»[1]، و فصّل في بريته الميراث مما فرض من حظّ الذكور و الأناث. فلم سوّلت لكم أنفسكم أمرا؟ فصبر جميل و اللّه المستعان على ما تصفون.