إنه (عليه السلام) احتجب عن الناس في داره ثلاثة أيام؛ فكان لا يخرج إلا لزيارة قبر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أو للصلاة. فجزع أصحابه من عظم ذلك، فأرسلوا إليه عمار بن ياسر- و في رواية سلمان الفارسي-. فدخل عليه داره فوجده جالسا و الحسن (عليه السلام) عن يمينه و الحسين (عليه السلام) عن شماله، و هو تارة ينظر إلى الحسن (عليه السلام) يبكي و تارة ينظر إلى الحسين (عليه السلام) فيبكي.
قال عمار: فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام، فجلست و قلت: يا سيدي! أنتم تأمروننا بالصبر على المصيبة و هؤلاء أصحابك، قد جزعوا من انقطاعك عنهم و لا طاقة لهم بفراقك. فقال لي: يا عمار، صدقت و لكني فقدت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بفقد فاطمة (عليها السلام)، كانت لي عزاء و سلوة؛ كانت إذا تكلّمت أفصحت عن بليغ كلامه و إذا مشت حكت كريم قوامه.
يا عمار! ما أحسست بألم المصيبة إلا بوفاتها و لا بألم الفراق إلا بفراقها، و ما يهوّن الخطب إنه بعين اللّه.
يا عمار! لما وضعت فاطمة (عليها السلام) على المغتسل، نظرت إلى ضلع من أضلاعها مكسور و قد دخل المسمار في ثديها فأعابه، و متنها قد اسودّ من الضرب، و ما يقرع قلبي- يا عمار- أنها كانت تخفي ذلك عني مخافة أن تنغّص عليّ عيشي.
فقلت: سيدي! أجل، هؤلاء أصحابك و شيعتك ينتظرون خروجك. فأجابني إلى ذلك و خرج معي إليهم.
المصادر:
1. الزهراء (عليها السلام) في ألسنة و التاريخ و الأدب: ص 533.
2. الصوارم الحاسمة، على ما في الزهراء (عليها السلام).