في أنّة واحدة خرجت منها. فالتي تستطيع أن تقلّب المجلس و تغيّر الناس في أنّه واحدة، كيف يجرأ أحد على حرق دارها و اقتحام بابها؟
إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) يوم أقبلت في لمّة من حفدتها و نساء قومها، كانت لها هيبة و شخصية قوية في قلوب الجماهير، بل إن الناس كانوا يهابون عليا (عليه السلام) لوجود فاطمة (عليها السلام) عنده، و يوم فقدها لم يعد أحد يقف نفس الموقف من علي أمير المؤمنين (عليه السلام) و قد مرّ ذلك في البحوث السابقة.
على أن فاطمة (عليها السلام) حين أقبلت و دخلت المجلس، بمجرد أن نظر إليها الناس تذكّروا مشية أبيها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و منطقه و كلامه. لذلك ما أن بدأت فاطمة (عليها السلام) في الكلام حتى بدا الناس في البكاء، و هذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على قوة تأثيرها في الناس و قوة شخصيتها في القلوب، بخلاف الإمام علي (عليه السلام) حيث كان أكثر الناس موتورين منه، لأنه قتل أبطالهم و ناوش ذؤبانهم، فأودع في قلوبهم أحقادا بدرية و أحدية و خيبرية. لذلك أضبت الجماهير تلك على عداوته، اضباء يفيض بالحقد و ينضح بالحسد و روح العدوان.
أقول: إذا كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) كذلك، فكيف يجرأ أحد على الاقتراب من بابها، فضلا عن جلب الحطب و إضرام النار في باب دارها؟ إنه لأمر يثير العجب و يجلب الهم و الحيرة.
و لكنه أمر سرعان ما ينفشع إذا عرفنا الحقيقة بالكامل، و أدركنا السبب الذي كمّن عمر بن الخطاب وراءه ليتمكّن من حرق باب دار فاطمة (عليها السلام).
لا شك و لا ريب في أن عمر بن الخطاب فكّر و فكّر، قبل أن يقدم على حرق باب الزهراء (عليها السلام)؛ فكّر بالذريعة و الحجة التي يتذرّع بها في حرق بابها، و ليس هناك أقوى من حجة الدين و الإسلام و العقيدة. فإذا أراد عمر أن يحرق دار فاطمة (عليها السلام) التي كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لا يدخلها إلا بعد أن يستأذن. فإذا أذنت له فاطمة (عليها السلام) دخل عليها يقرأ قوله تعالى: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً». [1]