و توقف عمر من خشية، و راحت دفعته شعاعا، و توقف خلفه- أمام الباب- صحبة الذين جاء بهم، إذ رأوا حيالهم صورة الرسول (صلّى اللّه عليه و آله)، تطالعهم من خلال وجه حبيبته الزهراء (عليها السلام)، و غضّوا الأبصار من خزي أو من استحياء.
ثم ولّت عنهم عزمات القلوب، و هم يشهدون فاطمة (عليها السلام) تتحرك كالخيال وئيدا وئيدا بخطوات المحزونة الثكلى، فتقترب من ناحية قبر أبيها، و شخصت منهم الأنظار و أرهفت الأسماع إليها، و هي ترفع صوتها الرقيق الحزين و النبرات تهتف بمحمد (صلّى اللّه عليه و آله)، الثاوي بقربها؛ تناديه باكية مريرة البكاء: يا أبت يا أبت!
فكأنما زلزلت الأرض تحت هذا الجمع الباغي من رهبة النداء، و راحت الزهراء (عليها السلام) و هي تستقبل المثوى الطاهر، تستنجد بهذا الغائب الحاضر: يا أبت يا رسول اللّه! ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة؟!
فما تركت كلماتها إلا قلوبا صدّعها الحزن و عيونا جرت دمعا و رجالا ودّوا لو استطاعوا أن يشقوا مواطئ أقدامهم ليذهبوا في طوايا الثرى مغيّبين.
و هذا شاعر النيل الحافظ ابراهيم، يفتخر بعمر بن الخطاب، كيف دخل بيت علي (عليه السلام)، كيف حرّق داره عليه إن لم يبايع.
و للمقدس العلامة الشيخ الأميني كلام جميل و تأسف مرير في هذا الموضوع، و هو تابع لتعجبه و تأسفه السابق مما جرى في وفاة النبي (صلّى اللّه عليه و آله) يوم السقيفة.
المصادر:
1. شرح خطبة الزهراء (عليها السلام) للشيخ نزيه قميحا: ص 229، عن عدة كتب.
2. العقد الفريد: ج 3 ص 63، عن شرح خطبة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، شطرا منه.
3. بحار الأنوار: ج 28 ص 339، عن العقد، شطرا منه.
4. كنز العمال: ج 3 ص 140، عن شرح خطبة الزهراء (عليها السلام)، شطرا منه.
5. الإمامة و السياسة، عن شرح خطبة الزهراء (عليها السلام)، شطرا منه.
6. أنساب الأشراف: ج 1 ص 556، على ما في شرح خطبة الزهراء (عليها السلام)، شطرا منه.
7. بحار الأنوار: ج 28 ص 389، عن الأنساب، شطرا منه.