فحملت خديجة بالزهراء (عليها السلام) من ذلك الحين، و كانت الزهراء (عليها السلام) تحدثها و هي في بطنها و تصبّرها لما يتحامله المشركون على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله).
ولادة الزهراء (عليها السلام)
مضت أيام حمل خديجة، و حان موعد ولادة الزهراء (عليها السلام) و هي فترة تحتاج فيها خديجة بل كل امرأة إلى من يساعدها و يعينها في أمرها، و لكن خديجة لما تزوج بها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) هجرتها نسوة مكة فكن لا يدخلن عليها و لا يسلّمن عليها و لا يتركن امرأة تدخل عليها؛ فاستوحشت من ذلك.
فلما حضرت ولادتها وجّهت إلى نساء قريش و نساء بنى هاشم أن يجئن و يلين منها ما تلي النساء من النساء، فرفضن ذلك بل منعن النساء الأخر من المجيء عندها.
و لكن اللّه عز و جل لم يك غافلا عنها بل أعانها في أمرها و هو تعالى أحق بذلك.
و ليس لتلك الملوثات بالرجس اللاتي لا جدارة لهن ليخدمن خديجة في إنجابها الحوراء فاطمة الزهراء (عليها السلام).
فأنزل اللّه تعالى أربع نسوة طوال كأنهنّ من نساء بني هاشم، و هن سارة زوجة ابراهيم (عليه السلام) و آسية بنت مزاحم زوجة فرعون و مريم بنت عمران أم عيسى (عليه السلام) و كلثوم أخت موسى (عليه السلام)، فحضرن عند خديجة ليلين أمرها كما تلي النساء من النساء.
ففزعت منهن خديجة، فقالت لها إحداهن: «لا تحزني يا خديجة، فإنا رسل ربك إليك». ثم عرّفت نفسها و عرّفت باقي النسوة.
ثم تكفّلن أمرها، فوضعت خديجة فاطمة طاهرة مطهرة. فلما سقطت الزهراء (عليها السلام) إلى الأرض، شعّ منها نور دخل كافة بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لا غربها موضع إلا و شعّ فيه ذلك النور.
ثم تناولت إحداهن الزهراء (عليها السلام) فغسّلتها بماء الكوثر و أخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن و أطيب رائحة من المسك، فلفّتها بواحدة و قنّعتها بالأخرى.