و كان إظهار أبي طالب ما يظهره من التمسك بدين العرب و الرغبة فيه مع ما ذكرناه و نذكره عنه من تصديق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الإقرار بنبوته، و ما ذكر من ذلك في شعره تقيّة عليه و ذبّا عنه، لأنه لو أظهر الإسلام كما أظهره حمزة عليه السّلام لرفضته العرب و لم يلتفت إليه و لم يصل إليه منهم من مآل إليه، و عضده على نصرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما نصره و قام بأمره و أظهر الحمية فيه لقرابته منه، و كان أبو طالب سيّدا من سادات العرب كما ذكرنا، تعرف له حقّه و لا تكاد تدخل فيما يسوؤه، و لا تظاهره إلّا بالمعروف و هو على دينها، فقال شعره الذي استعطف العرب به و تودد إلى أشرافها فيه، ليصرفهم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أخبرهم أنه على دينهم لم يبدّله.
فقال أبو طالب:
خليلي ما أذني لأول عاذل * * * بصغواء في حق و لا عند باطل
خليلي إن الرأي ليس بشركة * * * و لا نهبة عند الأمور التلائل
و لمّا رأيت القوم لا ود فيهم * * * و قد قطعوا كل العرى و الوسائل
و قد صار حونا بالعداوة و الأذى * * * و قد طاوعوا أمر العدو المزايل
و قد حالفوا قوما علينا أظنة * * * يعضون غيظا خلفنا بالأنامل
صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة * * * و أبيض عضب من تراث المقاول