إطلاق اللفظ و إرادة جنسه في قولك: «ضرب لفظ» إذا لم تقصد به الموجود في شخص هذا القول:
حيث أنه حينئذ يشمل كلا نوعه من الاسمية و الفعلية [1].
و بعد هذه المقدمة التوضيحية نرجع إلى السؤال المطروح هل يجوز استعمال اللفظ و إرادة نوعه أو صنفه أو مثله أو جنسه؟
قال الأصوليون: لا شبهة في صحة استعمال اللفظ و إرادة نوعه أو صنفه أو مثله أو جنسه. و الدليل على ذلك: الدليل على جواز استعمال اللفظ في المعنى المجازي، و صحته راجعة إلى استحسان الطبع.
و يؤكد على هذا شهادة الوجدان، فالوجدان يقتضي بأنه متى ما استحسن الطبع استعمال اللفظ و إرادة جنسه أو نوعه أو صنفه أو مثله يكون الاستعمال صحيحا.
و إنما الإشكال في صحة استعمال اللفظ و إرادة شخصه، ذهب صاحب الفصول إلى عدم إمكان ذلك؛ لأن إطلاق اللفظ و إرادة شخصه يلزم منه أحد المحذورين و هما:
1- إما أن يتحد الدال و المدلول.
2- و إما يلزم تركّب القضية من جزءين.
و توضيح ذلك نقول: عند ما أقول: «زيد لفظ» هنا كلمة زيد أجعلها حاكية عن شخص «زيد» الذي خرج من لساني. و عند ما لا أجعل كلمة «زيد» حاكية عن شخص «زيد» بل أجعل «شخص زيد» هو نفسه الموضوع من دون أن يكون هناك شيء يحكي عنه ... فإذا قلت: أن أجعله حاكيا عن نفسه بأن أقول: «زيد» و أقصد من «زيد» نفسه بمعنى: أجعله حاكيا عن نفسه، هنا يلزم اتحاد الحاكي و المحكي، و هذا معناه: اتحاد الدال و المدلول. و هو ممتنع، ضرورة أن الحاكي فان في المحكي، فيكون النظر إلى الحاكي آليا، و إلى المحكي استقلاليا، و لازم اتحادهما: اجتماع الضدين أي: يلزم أن: يكون «نفس زيد» دالا و مدلولا و حاكيا و محكيا و هو محال.
إلا أن هذا المحذور الذي أورده صاحب الفصول خلاف الفرض؛ لأن الفرض استعمال اللفظ و إرادة شخصه أي: لفظ زيد حاكي عن ذات زيد (المحكي).
- و إن لم تعتبر دلالته على نفسه لزم المحذور الثاني، و هو تركب القضية من جزءين، مع لزوم تركبها من ثلاثة أجزاء (موضوع و محمول و نسبة).
- و في توضيح ذلك نقول: عند ما أقول: زيد قائم. فكلمة زيد هي الموضوع تحكي عن ذات زيد، فذات زيد هي الموضوع، و أما لفظ زيد حاكي، و ليس هو موضوع، و كلمة قائم هي حاكية عن معنى القيام. و النسبة هي الرابطة بين زيد و القيام. إذا: كل قضية مركبة من موضوع و محمول و نسبة رابطة بينهما. و يوجد للنسبة حاكي و هي هيئة الجملة في «زيد قائم». إذا: توجد عندنا قضية حاكية و قضية محكية، فالحاكية هي نفس الألفاظ مثل: لفظ زيد و قائم و الهيئة الخاصة، و المحكية هي القضية المعنوية و هي ذات زيد و ذات القيام و الربط بينهما. نسميها قضية محكية بهذه القضية اللفظية.