إذا عرفت هذا التقدير: فينبغي أن نبحث عما ينبغي للآمر أن يكون بصدد بيانه، هل أنه على النحو الأوّل أو الثّاني؟
و الذي يظهر من الشّيخ صاحب الكفاية (1): إنه لا ينبغي من الآمر أكثر من النحو الثّاني، نظرا إلى أنه إذا كان بصدد بيان موضوع حكمه حقيقة كفاه ذلك لتحصيل مطلوبه و هو الامتثال. و لا يجب عليه مع ذلك بيان أنه تمام الموضوع.
نعم إذا كان هناك قدر متيقن في مقام المحاورة، و كان تمام الموضوع هو المطلق- فقد يظن المكلف أن القدر المتيقن هو تمام الموضوع، و أن المولى أطلق كلامه اعتمادا على وجوده- فإن المولى دفعا لهذا الوهم يجب عليه أن يبين أن المطلق هو تمام موضوعه، و إلا كان مخلا بغرضه.
و من هذا ينتج: أنه إذا كان هناك قدر متيقن في مقام المحاورة و أطلق المولى و لم يبين أنه تمام الموضوع، فإنه يعرف منه أن موضوعه هو القدر المتيقن.
هذا خلاصة ما ذهب إليه في الكفاية مع تحقيقه و توضيحه. و لكن شيخنا النائيني (رحمه الله) على ما يظهر من التقريرات لم يرتضه، و الأقرب إلى الصحة ما في الكفاية. و لا نطيل بذكر هذه المناقشة و الجواب عنها.
الانصراف (2):
(التنبيه الثّاني): اشتهر أن انصراف الذهن من اللفظ إلى بعض مصاديق معناه أو
(1) و من هنا يقع الكلام في مقام الإثبات، أي: يريد صاحب الكفاية أن يقول: إن المولى عادة في مقام الإثبات يكون بصدد البيان بالنحو الثّاني لأنّه به يحصل غرضه، و يحصل الامتثال.
(2) الانصراف:
فائدة: ما هو الفرق بين الانصراف من اللفظ، و بين القدر المتيقن في مقام التخاطب و المحاورة؟
ج: الانصراف من اللفظ لا ينفك عن اللفظ إلا إذا جاءت قرينة على خلافه فيبقى المعنى محفوظا و منصرفا دائما من اللفظ، مثلا: لو فرضنا أن لفظ الأسد متى ما يطلق ينصرف إلى الرجل الشجاع.
فإن هذا الانصراف يحصل دائما في جميع المقامات. و هذا بخلاف القدر المتيقن في مقام المحاورة و التخاطب، فإنه يختلف بحسب مقام المحاورة يعني: لا يوجد معنى واحد ينصرف منه اللفظ بل بحسب مقام المحاورة ينصرف إلى القدر المتيقن. ففي مثال: أكرم العالم. تارة: ينصرف إلى العالم العادل باعتباره قدرا متيقنا في مقام الخطاب و المحاورة، بأن قال: (قبل وجوب إكرام العالم و انصرافه إلى العالم العادل): إن العلماء العدول هم أركان الدين مثلا، و ينبغي إكرامهم.
و تارة: ينصرف إلى العالم الشجاع باعتباره قدرا متيقنا في مقام الخطاب و المحاورة.