و لكن التعارض إنما هو بين مفهوم كل منهما مع منطوق الآخر، كما هو واضح.
فلا بد من التصرف فيهما بأحد وجهين:
الوجه الأوّل: أن نقيد كلا من الشرطين من ناحية ظهورهما في الاستقلال بالسببية، ذلك الظهور الناشئ من الإطلاق- كما سبق- الذي يقابله التقييد بالعطف بالواو، فيكون الشرط في الحقيقة هو المركب من الشرطين و كل منهما يكون جزء السبب، و الجملتان تكونان حينئذ كجملة واحدة مقدمها المركب من الشرطين، بأن يكون مؤداهما هكذا: (إذا خفي الأذان و الجدران معا فقصر) (1).
و ربما يكون لهاتين الجملتين معا حينئذ مفهوم واحد، و هو انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرطين معا أو أحدهما، كما لو كانا جملة واحدة.
الوجه الثّاني: أن نقيدهما من ناحية ظهورهما في الانحصار، ذلك الظهور الناشئ من الإطلاق المقابل للتقييد ب (أو)، و حينئذ: يكون الشرط أحدهما على البدلية، أو الجامع بينهما على أن يكون كل منهما مصداقا له، و ذلك حينما يمكن
الجدران فقصر» هنا الجزاء غير قابل للتكرار، فحينئذ إما أن نلتزم بأن للجملة الشرطية مفهوما، و إما أن نلتزم بأن ليس لها مفهوم، و على الثّاني: لا تعارض بين الشرطيتين السّابقتين كما هو واضح، و على الأوّل: يقع التعارض بين منطوق إحداهما و مفهوم الأخرى، فإن مفهوم قوله: «إذا خفي الأذان فقصر»: إذا لم يخف الأذان فلا تقصر حتى لو خفيت الجدران، و لأجل المعارضة لا بدّ من التعرف فيهما بأحد وجهين:
الأوّل: أن نرفع اليد عن ظهور الشرط في كونه علة مستقلة و ذلك بجعله جزء العلة و المركب فيها علة، فالنتيجة: «إذا خفي الأذان و الجدران فقصر»، و عليه: لا تعارض؛ فإنه بمثابة القضية الواحدة.
الثاني: أن نرفع اليد عن ظهور الشرط في كونه علة منحصرة، و نجعل كل واحد منهما علة مستقلة مؤثرا في الجزاء، إما بعنوانه الخاص، و إما لكونه مصداقا للجامع، فإذا رفعنا اليد عن كون خفاء الأذان علة منحصرة فحينئذ: سوف يكون علة مستقلة، و حينئذ: تأثيره في الجزاء يكون على نحوين:
الأوّل: أن يكون خفاء الأذان بعنوانه الخاص أي: بما هو خفاء أذان مؤثرا في وجوب القصر.
الثّاني: أن يكون خفاء الأذان بما هو مصداق للجامع مؤثرا في الجزاء، و ليس بعنوانه الخاص.
(1) فالجزاء (وجوب القصر) مترتب على كلا الشرطين، و لا يترتب على أحدهما، كما لا يترتب على غيرهما، فالشرطان ينفيان شرطية شيء آخر للجزاء. و مرجع هذا الوجه إلى رفع اليد عن ظهور كل من الشرطين في الاستقلال، و جعل كل منهما جزء الموضوع، و المجموع شرطا واحدا نافيا لدخل غيرهما في الجزاء.