الإباحة، أو الترخيص فقط، أي: رفع المنع فقط من دون التعرض لثبوت حكم آخر من إباحة أو غيرها، أو يرجع إلى ما كان عليه سابقا قبل المنع؟ على أقوال كثيرة.
و أصح الأقوال: هو الثّالث، و هو دلالتها على الترخيص فقط.
و الوجه في ذلك: أنك قد عرفت أن دلالة الأمر على الوجوب إنما تنشأ من حكم العقل بلزوم الانبعاث ما لم يثبت الإذن بالترك. و منه تستطيع أن تتفطن إنه لا دلالة للأمر في المقام على الوجوب، لأنه ليس فيه دلالة على البعث و إنما هو ترخيص في الفعل لا أكثر.
و أوضح من هذا أن نقول: إن مثل هذا الأمر هو إنشاء بداعي الترخيص في الفعل و الإذن به، فهو لا يكون إلا ترخيصا و إذنا بالحمل الشائع (1). و لا يكون بعثا إلا إذا كان الإنشاء بداعي البعث. و وقوعه بعد الحظر أو توهمه قرينة على كونه بداعي البعث، فلا يكون دالا على الوجوب. و عدم دلالته على الإباحة بطريق أولى. فيرجع فيه إلى دليل آخر من أصل أو أمارة (2).
(1) أي: الأمر بعد المنع يكون مصداقا للترخيص و الإذن، لأن الترخيص له عدة مصاديق، تارة: يكون باللفظ، و أخرى: بقرينة حالية و هكذا ...
(2) قد يقال: ما الفائدة من الرّجوع إلى الأصل مع أن الإباحة بالمعنى الأعم ثابتة؟
قلت: الفائدة من الرجوع إليه هو: التأمين عن طرف الوجوب؛ لأن الإباحة بالمعنى الأعم تشمل الوجوب و الإباحة بالمعنى الأخص و الكراهة، فلا بدّ لأجل نفيه من إجراء الأصل، و لا يخفى: أن الذي انتفى بعد ورد الأمر هي الحرمة، أما الوجوب: فهو باق لأن الأمر و إن لم يكن ظاهرا في الوجوب لكنّه لم ينفه.
و بعبارة أخرى في شرح هذه العبارة نقول: يقول المصنّف: إن صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب، فإذا سقطت دلالتها في الوجوب فمن باب الأولى سقوطها عن الإباحة بالمعنى الأخص؛ باعتبار أن صيغة الأمر غير ظاهرة فيها.
فقوله تعالى: وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ...
فإن صيغة الأمر بعد الحظر أقصى ما تدل عليه هو: الترخيص الذي هو بمعنى الإباحة بالمعنى الأعم (الإباحة بالمعنى الأخص، و الكراهة، و الوجوب). فإذا كانت صيغة الأمر لم تدل و لم تكن ظاهرة هنا في الوجوب الذي هو مفاد الأمر، فمن باب الأولى إنها لا تدل على الإباحة بالمعنى الأخص التي هي ليست مفاد الأمر أصلا.
إذا: الأمر بعد الحظر يدل على الترخيص بالمعنى الأعم، و هذا معناه: إنه لا يثبت الوجوب كما إنه لا ينفيه إلى أصل أو أمارة. و عليه: فالصيد مباح بالمعنى الأعم.