إلا إن هذا الكلام لا يجري في ألفاظ (المعاملات)، لأن معانيها غير مستحدثة، و الشارع بالنسبة إليها كواحد من أهل العرف، فإذا استعمل أحد ألفاظها فيحمل لفظه على معناه الظاهر فيه عندهم؛ إلّا إذا نصب قرينة على خلافه.
فإذا شككنا في اعتبار شيء- عند الشارع- في صحة البيع مثلا، و لم ينصب قرينة على ذلك في كلامه، فإنه يصح التمسك بإطلاقه لدفع هذا الاحتمال، حتى لو قلنا: بأن ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح، لأن المراد من الصحيح: هو الصحيح
النحو الثاني: أن تكون الخصوصية المأخوذة في المأمور به ناشئة عن أمر يعتبر اقترانه مع الماهية المأمور بها، و مثال ذلك: وجوب الاستقبال، فإن «الصلاة» كما أمر بها أخذت فيها خصوصية لا تحصل إلا باقترانها بالاستقبال، و هذا الشرط يسمى بالمقارن.
النحو الثالث: أن تكون الخصوصية المأخوذة في المأمور به ناشئة عن أمر يعتبر لحوقه للماهية المأمور بها، و مثال ذلك: وجوب الغسل الليلي لصحة صوم المستحاضة النهاري، فإن الصوم لمّا أمر به أخذت فيه خصوصية لا تحصل إلا بلحوقه بالغسل في المستحاضة- و هذا الشرط يسمى باللاحق.
فإذا اتضح ذلك نقول: لا محالة أن الإخلال بأحد هذه الأنحاء من الشروط «السابق- المقارن- اللاحق» يوجب فساد العمل بأن يأتي «بالصلاة» بلا وضوء أو بلا استقبال، أو تأتي المستحاضة، بالصوم النهاري بلا غسل ليلي، و ذلك لأن الشرط أخذ في الماهية و الحقيقة، و لكن لا على نحو لا تتحقق الماهية بدونه، بل على نحو لا تحصل الخصوصية المأخوذة في ماهية المأمور به إلا بالإتيان به، فهي من مقدمات العمل لا من أجزائه.
الثالث: أن يكون الشيء داخلا في تشخيص الفرد، بحيث يصدق على الفرد المتشخص بهذا الشيء عنوان المأمور به، و هذا الشيء الدخيل في تشخيص الفرد المأمور به تارة: يوجب مزية كالقنوت في «الصلاة»، و تارة: يوجب نقيصة كالتكتف في «الصلاة» بناء على كراهيته لا حرمته.
الرابع: أن يكون ما يوجب التشخيص الفردي خارجا عن الفرد إلا أنه شرط في تشخيصه و هذا أيضا تارة يوجب مزية كالجماعة في الصلاة، و تارة يوجب منقصة كالكون في الحمام في الصلاة أيضا.
إذا اتضح القسم الثالث و الرابع نقول: إن الإخلال بما له الدخل في تشخيص الفرد مطلقا لا يوجب فساد العمل، و ذلك لأن الإخلال به ليس إلا إخلالا بتلك الخصوصية، مع أنه يمكن تحقق الماهية المأمور بها لا بخصوصية أخرى غير موجبة لتلك المزية، بل يمكن أن يأتي بالماهية بخصوصية موجبة للنقص.
فمثال القسم الثالث أن نقول: يمكن للمصلي أن لا يأتي «بالصلاة مع القنوت» بل يأتي بها مع التكتف، و مثال القسم الرابع أن نقول: يمكن للمصلي أن لا يأتي «بالصلاة جماعة»، بل يأتي بها في الحمام مع بقاء الماهية محفوظة في الحالتين.
و هناك قسم خامس: يمكن تصور قسم خامس خارج عن حيّز الجزء و الشرط؛ و ذلك بأن يندب إلى فعل شيء في المأمور به بدون أن يكون له دخل أصلا في حقيقة المأمور به، و لا في خصوصيته و تشخصه، بل يكون المأمور به له دخل ظرفا في مطلوبية هذا الشيء، بحيث لا يكون الشيء مطلوبا