وَ هُوَ خِلَافُ النّقِيصَةِ و النَّقْصِ وَ قَوْلُهُمْ لَا يَمْلِكُ دِرْهَماً فَضْلًا عَنْ دِيْنَاراً وَ شِبْهِهِ مَعْنَاهُ لَا يَمْلِكُ دِرْهَماً وَ لَا دِينَاراً و عَدَمُ مِلْكِهِ لِلدِّينَارِ أَوْلَى بِالانْتِفَاءِ وَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا يَمْلِكُ دِرْهَماً فَكَيْفَ يَمْلِكُ دِينَاراً و انْتِصَابُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ و التَّقْدِيرُ فَقَدَ مِلْكَ دِرْهَمٍ فَقْداً يَفْضُلُ عَنْ فَقْدِ مِلْكِ دِينَارٍ قَالَ قُطْبُ الدِّينِ الشِّيرَازِيُّ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ اعْلَمْ أَنَّ (فَضْلًا) يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعٍ يُسْتَبْعَدُ فِيهِ الْأَدْنَى و يُرَادُ بِهِ اسْتِحَالَةُ مَا فَوْقَهُ وَ لِهذَا يَقَعُ بَيْنَ كَلَامَيْنِ مُتَغَايِرَيِ الْمَعْنَى وَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ أَنْ يَجِيءَ بَعْدَ نَفْي وَ قَالَ شَيْخُنَا أَبُو حَيّانَ الْأَنْدَلُسِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ أَبْقَاهُ اللّهُ تعَالَى وَ لَمْ أَظْفَرْ بِنَصٍّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّرْكِيبِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ و بَسَطَ الْقَوْلَ فِي هَذَهِ الْمَسْأَلَةِ وَ هُوَ قَرِيبٌ مِمَّا تَقَدَّمَ.
[فضو]
الفَضَاءُ: بِالْمَدِّ الْمَكَانُ الْوَاسِعُ و (فَضَا) الْمَكَانُ (فُضُوّاً) مِنْ بَابِ قَعَدَ إِذَا اتَّسَعَ فَهُوَ (فَضَاءٌ) و (أَفْضَى) الرَّجُلُ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ بِالْأَلِفِ مَسّهَا بِبَاطِنِ رَاحَتِهِ قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ وَ غَيْرُهُ و (أَفْضَى) إِلَى امْرَأَتِهِ بَاشَرَهَا و جَامَعَهَا وَ (أَفْضَاهَا) جَعَلَ مَسْلَكَيْهَا بالافْتضَاضِ واحداً و قيلَ جَعَلَ سَبِيلَ الحيض و الغائِطِ وَاحِداً فهِي مُفْضَاةٌ وَ (أَفْضَيْتُ) إِلَى الشَّيءِ وَصَلْتُ إِلَيْهِ و (أَفْضَيْتُ) إِلَيْهِ بالسِّرِّ أَعْلَمْتُهُ بِهِ.
[فطر]
فَطَرَ: اللّهُ الْخَلْقَ (فَطْراً) مِنْ بَابِ قَتَلَ خَلَقَهُمْ وَ الْاسْمُ الفِطْرَةُ بِالْكَسْرِ قَالَ تَعَالَى «فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النّٰاسَ عَلَيْهٰا» وَ قَوْلُهُمْ تَجِبُ (الْفِطْرَةُ) هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَ الْأَصْلُ تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرَةِ وَ هِي الْبَدَنُ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَ أُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مُقَامَهُ وَ اسْتُغْنِيَ بِهِ فِي الاسْتِعْمَالِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ و السَّلَامُ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ»
قِيلَ مَعْنَاهُ الْفِطْرَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ و الدِّينُ الْحَقُّ
«وَ إِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ و يُنَصِّرَانِهِ»
أَي يَنْقُلَانِهِ إِلَى دِينِهِمَا وَ هَذَا التَّفْسِيرُ مُشْكِلٌ إِنْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَوَارَثُ الْمُشْرِكُونَ مَعَ أَوْلَادِهِمُ الصِّغَارِ قَبْلَ أَنْ يُهَوِّدُوهُمْ و يُنَصِّرُوهُمْ وَ اللَّازِمُ مُنْتَفٍ بَلِ الْوَجْهُ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَ مَجَازِهِ مَعاً أَمَّا حَمْلُهُ عَلَى مَجَازِهِ فَعَلَى مَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَ ذلِكَ أَنَّ إِقَامَةَ الْأَبَوَيْنِ عَلَى دِينِهِمَا سَبَبٌ يَجْعَلُ الْوَلَدَ تَابِعاً لَهُمَا فَلَمَّا كَانَتِ الْإِقَامَةُ سَبَباً جُعِلَتْ تَهْوِيداً و تَنْصِيراً مَجَازاً ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى الْأَبَوَيْنِ تَوْبِيخاً لَهُمَا و تَقْبِيحاً عَلَيْهِمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ وَ إِنَّمَا أَبَوَاهُ بِإِقَامَتِهِمَا عَلَى الشِّرْكِ يَجْعَلَانِهِ مُشْرِكاً و يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرْكِ وَ أَسْلَمَ الآخَرُ لَا يَكُونُ مُشْرِكاً بَلْ مُسْلِماً وَ قَدْ جَعَلَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَقَالَ وَ قَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ (صلَّى اللّهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ) حُكْمَ الْأَوْلَادِ قَبْلَ أنْ يُفْصِحُوا