و أقول: ليس كذلك، و عدم احتياج الدلالة الطبيعية إلى الوضع لا يوجب عدم احتياج الدلالات الوضعية إليه. نعم هذا نظير حكايات الأصوات كالجكجكة و الزقزقة فإن مثلها يطلق على معانيها لمناسبة بين اللفظ و المراد طبيعية، يدل عليه بنفسه من غير احتياج إلى وضع الواضع، بخلاف دلالة المستور على الساتر و اليد على النعمة و العين على الجاسوس فإنها غير طبيعية، بل محتاجة إلى الوضع، و يعلم الوضع بتواطؤ أهل اللسان على إرادتها و تواطئهم على عدم إرادة غيرها من لوازم المعنى الموضوع له.
«الأصل في الاستعمال الحقيقة»
لهذا الكلام موردان:
الأول إذا علمنا معنى اللفظ الحقيقى و المجازى و سمعنا كلمة شككنا فى أن المتكلم أراد منها الحقيقة أو المجاز وجب حملها على الحقيقة إلا بقرينة. و هذا مما لا خلاف فيه.
الثانية إذا علمنا المراد من لفظ و لا نعلم أنه معناه الحقيقى أو المجازى مثلا قال اللّه تعالى: وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ[2] و نعلم أن المراد من الأبّ هو العلف. و لا نعلم أنه معناه الحقيقى أو المجازى نحكم بكونه حقيقة. و قال العلامة: قال ابن عباس ما كنت أعرف الفاطر حتى