فرجع بها رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) يرجف فؤاده [1]، فدخل على خديجة بنت خويلد.
فقال: زملونى زملونى. فزملوه حتى ذهب عنه الروع. فقال لخديجة، و أخبرها الخبر:
" لقد خشيت على نفسى"، فقالت خديجة: كلا، و اللّه ما يخزيك اللّه أبدا، إنك لتصل الرحم، و تحمل الكل [2]، و تكسب المعدوم، و تقرى الضيف، و تعين على نوائب الحق [3].
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى [4]، ابن عم خديجة، و كان امرأ تنصّر فى الجاهلية، و كان يكتب الكتاب العبرانىّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية [5] ما شاء اللّه أن يكتب. و كان شيخا كبيرا قد عمى. فقالت له خديجة: يا بن عم اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخى ما ذا ترى؟ فأخبره خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس [6] الّذي أنزل على موسى (عليه السلام) يا ليتنى فيها جذع". يا ليتنى أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم): أو مخرجى هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت إلا عودى. و إن يدركنى يومك أنصرك نصرا مؤزرا [7] ثم لم ينشب ورقة [ص/ 15] أن توفى، و فتر الوحى [8].
قال الزهرى [9]: و أخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمن [10]: أن جابر بن عبد اللّه الأنصارى
[1] فى عيون الأثر لابن سيد الناس 1/ 52" ترجف بوادره".
[2] الكل: الثقل الّذي يتكلف الرجل حمله كالعيال. لسان العرب لابن منظور (كلل).
[4] هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، و هو ابن عم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى، زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم، انظر كتاب المعارف لابن قتيبة ص 159.
[5] فى الوفاء بأحوال المصطفى لابن الجوزى 1/ 162. و عيون الأثر فى فنون المغازى و السير لابن سيد الناس 1/ 81:" العربى ... بالعربية".
[6] أهل الكتاب يسمون جبريل (عليه السلام)" الناموس. انظر الصحاح للجوهرى" نمس".
[7] مؤزرا: أى قويّا. قاله ابن حجر العسقلانى فى فتح البارى 1/ 36 طبعة الريان.
[8] انظر صحيح البخارى كتاب بدء الوحى الحديث رقم (3).
[9] الزهرى: هو محمد بن مسلم بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن شهاب بن عبد اللّه بن الحارث ابن زهرة بن كلاب. المتوفى سنة 124 ه انظر كتاب المعارف لابن قتيبة ص 472.
[10] هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، انظر فتح البارى بشرح صحيح البخارى 1/ 37.