تلك الجهة ايضا صح الاخذ بالمفهوم في مقام المخاصمة و الاحتجاج، و وجهه واضح.
و بما ذكرنا ظهر ايضا ان ما حكى عن «الفوائد الطوسية» من أنّه تجشم باستخراج مائة مورد بل و ازيد من القرآن الكريم لا دلالة فيها علي المفهوم مما لا يثمر و لا يغنى في اثبات عدم الدلالة علي المفهوم من رأس، فان ما استخرجه انما كان عدم تعليق الجزاء علي خصوص تلو الاداة لا عدم التعليق رأسا، كيف و قد عرفت ان التكلم بالشرط و التعليق مع عدم إرادة الانتفاء عند الانتفاء رأسا خارج عن قانون المحاورة و معدود من المستنكرات، لا يصدر عن المتكلم الحكيم فضلا عن الباري.
و مما يؤيد دلالة الارادة علي التعليق المساوق للمفهوم ما يري بالوجدان السليم من الاستدراك بلفظة لكن و نحوها في قوله ان جاء زيد اكرمته و لكنه لا يجيء فلا اكرمه، فإنّه لو لا استفادة التعليق و المفهوم من الكلام الاول لما كان الاستدراك بلكن و التفريع بالفاء حسنا، بل ربما لا يذكر قوله فلا اكرمه من جهة وضوحه، و من المقطوع أنّه لو لم يذكر ايضا لكان مستفادا من الكلام، و ليس ذلك إلّا لاجل دلالة الجملة الاولى علي المفهوم، و منه قول الشاعر:
و لو دامت الدولات كانوا كغيرهم * * * رعايا و لكن ما لهن دوام
و قوله
و لو طار ذو حافر قبلها * * * لطارت و لكنه لم يطر
و بالجملة حسن الاستدراك و التفريع يؤيد ان المفهوم من الجملة الاولى كون الجزاء محصورا في الشرط بل يدل عليه، حيث إنّه لو لا تعلقه عليه و انتفاؤه عند انتفائه كان الاستدراك غير مستحسن بنظر العرف و لما كان للتفريع مناسبة و لما يكاد يستفاد انتفاء الجزاء في الجملة الثانية عند عدم ذكره و التصريح به كما في الشعر، و مما يدل علي كون المفهوم من القضايا الشرطية ما ذكروه في لو الشرطية من دلالتها علي امتناع الجزاء، و سيأتى الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى، و قد استدل عليه ايضا بأمور.