و بما ذكرنا يظهر ان الحق الّذي يقتضيه النظر الدقيق و يساعده الوجدان السليم هو خيرة صاحب «الفصول» (قدّس سرّه) فإنّه مع فرض كون ترك البقاء واجبا و كونه اهم لاستلزامه زيادة الغصب لا مناص من ان يكون الخروج الّذي ينحصر التخلص به عن البقاء مأمورا به و واجبا و ان كان يجري عليه حكم المعصية و يقع مبغوضا عليه من جهة كونه بسوء الاختيار، فان المطلوب الاولى هو ترك الغصب بجميع انحائه من الدخول و البقاء و الخروج، فلو عصى المكلف و دخل في المكان المغصوب يدور امره بين البقاء و ارتكاب اعظم القبيحين و ايراد اكثر المفسدتين علي المولى و بين الخروج و ارتكاب اقلهما و ايراد ادنى المفسدتين عليه، و لا إشكال في أنّه عند الدوران يصير الخروج واجبا للتفصى عن الوقوع في المفسدة العظيمة الّتي يستلزمها البقاء. و الّذي يهديك إلى ذلك ملاحظة نفسك في ارادتك المباشرية فهل ترى منك الشك و الارتياب في أنّه عند هذا الدوران تريد الخروج و تترك البقاء لما ترى من استلزامه زائدا عما يستلزمه الخروج فيتعلق ارادتك بترك البقاء و حيث أنّه متوقف علي الخروج يترشح الارادة اليه لا محالة و ان كنت تبغضه و تذم نفسك علي اتيانه فيما كان بسوء اختيارك، فتعلق الارادة اليه نظير تعلق الارادة بانقاذ الاجنبى اهلك مع كمال كراهتك اياه، لكن لما ترى دوران الامر بين نجاتها بمساس الاجنبى و بين هلاكها و كان الاول اهم عندك تريدها لا محالة و تأمر الاجنبى بانقاذها و ان كان مكروها عندك في الغاية فتصبر علي هذا المكروه لاستيفاء المقصد الاهم، و لعل هذا شايع ذائع في الامور الراجعة إلى العقلاء، و لعل انكاره بمثابة انكار البديهيات، و اذا تبين ذلك في الارادات الفاعلية تبين في الارادات التشريعية الآمرية ايضا لعدم الفرق بينهما اصلا.
فانقدح بذلك ان في المقام و اشباهه يتعلق الارادة بالواجب الاهم و يترشح الارادة منه إلى مقدمته المنحصرة و لو كانت تقع علي وجه المبغوضية فيما كان بسوء الاختيار.
و قد عرفت غير مرة أنّه بعد تبين الحال بالنسبة إلى الارادة النفس الامرية الّتي هى حقيقة التكليف لا فائدة في البحث عن الخطاب الّذي ليس له فائدة اصلا الا من جهة