لأنّ استنباط المسائل من المأخذ يحتاج الى الاستدلال، و هو لا يتمّ إلّا بالمنطق، و كون الاستدلال بالشّكل الأوّل و القياس الاستثنائي بديهيّا، و تحصيل النّتائج من المقدّمات غريزيّا طبيعيّا، لا ينافي الاحتياج إليه فيما عرض الذّهن مرض الاعوجاج و الغفلة بسبب الشّبهات.
كما أنّه قد يحتاج الطّبع الموزون الى استعمال العروض لنفسه أو لردع غيره من الغلط و الاشتباه، و ذلك غير خفيّ على من زاول الاستدلال في العلوم.
و ما يقال: من أنّ المنطق لو كان عاصما عن الخطأ لما أخطأ المنطقي في الاستدلال ضعيف إذ الإنسان جائز الخطأ في كلّ مرحلة إلّا من عصمه اللّه، و لكنّه محفوظ عن الخطأ في الأغلب.
السّادس: معرفة أصول الفقه،
و هو أهمّ العلوم للمجتهد، و لا يكاد يمكن تحصيل الفقه إلّا به، و لا بدّ أن يكون على سبيل الاجتهاد، لكثرة الخلافات فيه، بل و كذلك الكلام في خلافيّات اللّغة و النّحو و الصّرف أيضا ممّا يتفاوت به الأحكام، كالاجتهاد في معنى الصّعيد و الإزار و الأنفحة، و نحو ذلك. و يكفي في الأصول الظّنّ فيما لم يمكن فيه تحصيل العلم.
و ما قيل: من أنّ مسائل الأصول ممّا لا بدّ فيه من العلم مطلقا، فلا تحقيق فيه، و قد أشرنا إليه سابقا، و وجه توقّف الاجتهاد و الفقه عليه من وجوه:
الأوّل: أنّ من أدلّة الفقه، الكتاب و السنّة، و لا ريب أنّهما وردا قبل ألف سنة أو أزيد، و لا نعلم اتّحاد عرف الشّارع و عرفنا، بل نعلم مخالفتهما في كثير و نشكّ في كثير.
نعم، يحصل العلم بالاتّحاد في بعضها، فلا كلام لنا فيما عرف مراد الشّارع أو