و من ذلك ظهر أنّ انحصار الحكم بوجوب النّظر في العقل، لا يتمّ إلّا بضميمة إبطال حكومة الشّرع في ذلك.
فهذا الدّليل، أعني لزوم إفحام الأنبياء (عليهم السلام) متمّم للدليل الأوّل على انحصار الحاكم في العقل، و إن كان الدّليل الأوّل مستقلا في إثبات أنّ العقل حاكم في الجملة، ففي جعلهما دليلين لإثبات كون الحاكم هو العقل، محلّ نظر.
فالذي ظهر ممّا ذكرنا، أنّ الذي يختصّ بإثبات المقام الثّالث من هذا الدّليل هو عدم زوال الخوف إلّا بالنّظر، و قد عرفت التّحقيق و التّفصيل في المقدّمة.
و ممّا ذكرنا ظهر دليل الأشاعرة على وجوب المعرفة شرعا و أنّه هو الآيات و الأخبار.
و جوابه و هو استلزام الدّور و إفحام الأنبياء (عليهم السلام).
[احتجاج الموجبون للنظر بالأدلّة الشّرعية و الكلام في المقام]
و احتجّ الموجبون للنظر أيضا من أصحابنا و غيرهم بالأدلّة الشّرعيّة، و هو من وجوه:
الأوّل: الآيات الواردة في المنع عن التّقليد عموما، مثل ما دلّ على حرمة العمل بالظّنّ، و القول من غير علم، مثل قوله تعالى: وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ[1]، إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَ الْفَحْشاءِ وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ[2]وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ[3]، وَ قالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ