فكلّا، مع أنّ الكلام ليس في ذلك، بل في تكليف المتجزّي.
و إن أريد أنّ كثرة الاعتماد على قوّة المطلق من جهة الغلبة يوجب ترجيح تقليده على تقليد المتجزّي، فهو كلام آخر لا نمنعه بين المطلقين المتفاوتين في العلم، فكيف بالمتجزّي و المطلق، و لا دخل له بما نحن فيه، مع أنّا نقول: كما أنّ العمل بالظنّ حرام، فكذلك التقليد أيضا حرام. فإذا نفيتم جواز عمل المتجزّي بظنّه فكيف جوّزتم له التقليد، مع أنّ التقليد أيضا ظنّ!
فإن قلتم: إنّ الإجماع وقع على جواز تقليد المجتهد المطلق و لم يقع على جواز عمل المتجزّي بظنّه.
قلنا: الإجماع قد عرفت محلّه في المجتهد المطلق و الإشكال فيه.
سلّمنا، لكنّ الإجماع على وجوب تقليده حتّى على المتجزّي أيضا، أوّل الكلام، كيف و المشهور بين العلماء جواز التجزّي.
فغاية الأمر تساوي الاحتمالين و لا مناص عن التخيير، و هو أيضا يقتضي جواز التجزّي، و احتمال وجوب التوقّف أو الاحتياط ضعيف لا دليل عليه، و إذا ثبت الجواز، بطل المنع و إن لم يثبت التعيّن، و يمكن إثباته بعدم القول بالفصل أيضا.
و يؤيّد التعيّن انّه ترك للتقليد، و أنّه أخذ من المدارك نفسها مهما أمكن، و موافقته لعمومات وجوب العمل بالآيات و الأخبار و غير ذلك.
[فيما يدل على جواز التّجزي مشهورة أبي خديجة]
و يدلّ على جواز التجزّي أيضا مشهورة أبي خديجة [1] عن الصادق عليه الصلاة و السلام حيث قال: «انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه
[1] «تهذيب الأحكام» 6/ 245 كتاب القضايا و الأحكام باب 1 ح 8.