فالمجتهدون و الأخباريّون كلاهما متوقّفون في الحكم من حيث الخصوص، ثمّ يختلفون في حكم الواقعة بعد ذلك من حيث إنّها مجهول الحكم.
[الكلام في البراءة و لزوم الاحتياط]
فذهب المجتهدون الى البراءة الأصليّة، و الأخباريّون الى لزوم الاحتياط.
و كيف كان فالأقوى و الأظهر هو العمل على البراءة الأصليّة، و ادّعى عليه الإجماع جماعة، منهم الصدوق (رحمه اللّه) في «اعتقاداته» [1] في باب الحظر و الإباحة في الأشياء المطلقة قال: اعتقادنا في ذلك أنّ الاشياء كلّها مطلقة حتّى يرد في شيء منها نهي، فيظهر منه انّه دين الإماميّة.
و عن المحقّق (رحمه اللّه) أنّه قال: إنّ أهل الشّرائع كافّة لا يخطّئون من بادر الى تناول شيء من المشتبهات، سواء علم الإذن فيها من الشّرع أو لم يعلم، و لا يوجبون عليه عند تناول شيء من المأكل أن يعلم التّنصيص على إباحته، و يعذرونه في كثير من المحرّمات إذا تناولها من غير علم، و لو كانت محظورة لأسرعوا الى تخطئته حتّى يعلم الإذن. انتهى [2].
و أيضا يحكم العقل بعدم التكليف إلّا بعد البيان، و يدلّ عليه الكتاب و السنّة.
[أدلّته من الكتاب]
أمّا الكتاب فقوله تعالى: وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا[3]. و المتبادر منه أنّا لا نعذّبهم على ما يفعلون حتّى تبلغهم الأحكام ببعث الرّسول [4].
و بعد ملاحظة ما سبق في البحث الأوّل، يظهر أنّ المراد، الأفعال التي لا حكم
[1] ص 66 كما في النسخة المصوّرة عن الحجرية و المطبوع معها الباب الحادي عشر.
[2] في «المعارج» ص 205، و فيه لفظ المشتهيات بدل المشتبهات كما في النسخة المحققة التي بين يدي و المطبوعة حديثا. نعم أنا لا أقول باشتباه المصنّف.