للحكم بالإباحة الشرعيّة و عدمه بالخصوص، و لكنّه لا ينافي ذلك كون حكم ما لم يعلم حكمه من الشّارع بالخصوص هو البراءة، للزوم التكليف بما لا يطاق لولاه، و أنّ المثمر في البيان هو البيان الواصل الى المكلّف، لا مطلق البيان.
و مقتضى أنّ التكليف لا يصحّ إلّا بعد وصول البيان، لا يتفاوت فيه الأمران.
و بالجملة، الحقّ و التّحقيق جواز التمسّك بأصل البراءة فيما لم يبلغ إلينا فيه نصّ، سواء كان ممّا يحتمل الوجوب أو الحرمة، و اقتصر الأخباريّون على ما يحتمل الوجوب، و غير الحرمة، و حكموا بلزوم التوقّف في غيره [1].
و مرادنا بالنصّ هو الدّليل الشّرعيّ و إن كان هو العقل القاطع كما مرّ في البحث الأوّل، و إن فرض قلّة انفكاكه عن النصّ الشّرعيّ، و حجّية أصل البراءة هو مذهب المجتهدين.
و ما يتراءى في الكتب الفقهيّة مثل كتب الفاضلين و غيرهما من التوقّف في الفتوى، و يقولون: فيه توقّف، أو تردّد، أو نحو ذلك، فليس قولا بوجوب التوقّف منهم أو العمل عليه، بل مرادهم بيان تعارض الأمارات من الطّرفين من حيث بيان الحكم في المسألة بالخصوص، و لم يترجّح عندهم أحد الطرفين، فيظهرون أنّه محلّ التوقّف عندهم من حيث خصوص المسألة بالنظر الى الدّليل الخاصّ، و إن كان فتواهم و عملهم بعد ذلك الرّجوع الى الأصل و التخيير. و سنشير بعد ذلك الى أنّ أخبار التوقّف أيضا تحمل على ذلك، أي على التوقّف في الخصوص.
[1] فالأخباريون فيما لم يصلنا فيه نص على أربعة مذاهب: التّوقف و هو المشهور بينهم، و الحرمة ظاهرا، و الحرمة واقعا، و وجوب الاحتياط، و القول بالتّحريم يحتمل أن المقصود منه يكون قبل ورود الشرع فيكون غير مختص بالأخباري. و هذا و قد ألحق الأخباريّون بما لا نصّ فيه ما قد تعارض فيه النّصان، و الأفراد غير ظاهرة الفرديّة.