و ذهب الأكثرون الى أنّ العقل يدرك إباحتها، فيكون دليلا على الإباحة الشرعيّة [1].
و يظهر من ذلك أنّ ما هو المسلّم عند كلّ القائلين بالتّحسين و التّقبيح العقليّين، و المتّفق عليه بينهم، إنّما هو الأحكام الأربعة في الجملة، و ليس عندهم شيء مباح عقليّ كان متّفقا عليه بينهم [2] إذ الحكم بالإباحة العقلية موقوف على حكم العقل باستواء الفعل و الترك في المصلحة و المفسدة، بأن لا يكون في شيء منهما مصلحة و لا مفسدة، فإذا كان مثل أكل الفاكهة و شمّ الطيب من الخلافيّات بينهم؛ فأيّ شيء يبقى بعد ذلك لأن يحكموا عليه بالإباحة بالاتّفاق.
فما لا منفعة فيه [3] أصلا مثل تحريك اليد بلا جهة و لا داع، و مضغ الخشب و النّبات الغير اللّذيذ، لا حكم للعقل فيها عند الكلّ [4]، و لذلك عقدوا مسألة التنزّل
[1] لمزيد من المعرفة في المقام راجع «الفصول» ص 346 و «هداية المسترشدين» 3/ 504، و «المحصول» 1/ 54.
[2] و قد استدل على ضعف هذا القول في «الفصول» ص 346.
[3] و قد علق هذا الكلام صاحب «الفصول» فيه عند بحثه الى انقسام الفعل بالتّحسين و التّقبيح الى ما يستقل العقل بإدراك حسنه او قبحه، و الى ما لا يستقل به فقال: و كأنّهم أخذوا القيد المذكور من الحجّة المعروفة للقائلين بالإباحة حيث اعتبروا في الفعل اشتماله على المنفعة و الأقرب عندي أن يحمل المنفعة المأخوذة في الدليل على منفعة ما أعني موافقة القصد و الدّاعي سواء سميت عرفا منفعة أو لا و مرجعها الى ما يمتنع بدونها صدور الفعل الاختياري، و بهذا يحصل التّوفيق بين الدّليل و العنوان، و حمل كلام المعتبرين لهذا القيد في العنوان على ذلك تعسّف واضح.
[4] و الاتفاق الذي حكاه المصنّف على أنّه لا حكم فيما لا يشتمل على المنفعة فكأنّه