و هناك معنيان آخران يمكن [1] حمل الرّوايتين عليهما، نظير قوله (عليه السلام): «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام». كما تقدّم الكلام فيه [2].
فنقول على حملها على الشّبهة في الموضوع: إنّ الأشياء أو المياه بعضها متّصف في الخارج بالنجاسة الواقعيّة التي يعلم أنّ ملاقيها نجس، و بعضها غير متّصف بها و لكن اشتبه حال فرد من الأفراد أنّه من أيّهما. فنقول: إنّ الشّيء المجهول الحال أو الماء المجهول الحال يحكم بأنّه طاهر واقعا من حيث إنّه مجهول الحال [3]، و ظاهرا من حيث هو هذا الفرد حتّى يحصل العلم بأنّه هو الفرد النجس.
و على حملهما على الشّبهة في الحكم الشرعي، فنقول: إنّ هذا الشّيء المشتبه الحكم في أنّه نجس أم لا، مثل العصير العنبيّ بعد الغليان أو الجسم الملاقي له، هل حكمه الشّرعيّ بالخصوص الطهارة أو النجاسة، فهو طاهر حتّى تعلم أنّه قذر.
و من هذا الباب ما استدلّ بعضهم [4] على عدم تنجّس الماء القليل بملاقاة النجاسة بقوله (عليه السلام): «كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر». و هذا المعنى أبعد المعاني الثلاثة من اللّفظ.
[1] فإنّ الرواية يمكن ان تنطبق على الاستصحاب، و البعض قد يجعلها منطبقة على الشّبهة الموضوعية و على الشبهة الحكمية إلّا أنّ الأظهر حملها على الاستصحاب.
[3] و هذا الكلام شبيه لكلام السيد في شرحه «للوافية» حيث قال فيه: إنّ الطهارة او الإباحة حكم واقعي للشيء من حيث إنّه غير معلوم الحكم، و حكم ظاهري له من حيث إنّه شيء خاص ككونه هذا النوع من النبات او الحيوان، و لعل حكمه الواقعي من حيث الخصوصية مخالف لحكمه الظّاهري.