كان في مدينة البصرة أخوان أحدهما يُدعى : العلاء بن زياد الحارثي ، والآخر : عاصم . وكانا كلاهما مِن المُخلصين لعليٍّ (عليه السلام) ، ولكنْ كانا مُختلفيَن في السُّلوك ، فعلاء مُفرِط في حُبِّه للدنيا وجمعه للمال ... أمَّا عاصم ، فكان على العَكس منه مُدْبِراً ظهره للدنيا ، صارفاً جُلَّ وقته في العبادة وتحصيل الكمالات الروحيَّة ، وفي الواقع كانا كلاهما قد تجاوز الطريق المُستقيم ، وانحرف عن الصراط السويِّ ...
وذات يوم مَرِض العلاء ، فذهب علي (عليه السلام) لعيادته ، وما أنْ استقرَّ به الجلوس ، حتَّى التفت الإمام إلى سِعة عَيشه ، وإفراطه في سَعيه وراء الدنيا ؛ فخاطبه قائلاً : (وماذا تصنع ـ يا علاء ـ بهذه السِّعة المُفرِطة مِن العَيش ؟ إنَّك إلى تحصيل وسائل سعادتك المعنويَّة أحوج ، فاسعِ في ذلك الجانب أيضاً ...) ، ثمَّ قال (عليه السلام) : (اللَّهمَّ إلاَّ أنْ تكن عملتَ ذلك كلَّه ؛ لتمهيد طريق السعادة المعنويَّة ؛ لتتمكَّن مِن استقبال الضيوف في بيتك ، وتستطيع صِلة أرحامك ، وأداء حقوق إخوانك بأكمل وجه) [1] .
لقد أثَّر هذا الدرس البليغ ، بأسلوبه الهادئ المَتين في علاء كثيراً ، وجاشت به العواطف للشكوى مِن تفريط أخيه ؛ فقال : يا أمير المؤمنين ، أشكو إليك عاصم بن زياد .
قال : (وما له ؟) .
قال : لبس العَباء ، وتخلَّى عن الدنيا .
قال : (عليَّ به !) .
وبعد أنْ حضر عاصم بين يدي الإمام ، وبَّخَه الإمام قائلاً : (يا عُدَيَّ نفسه ، لقد استهام بك الخبيثُ ! أما رحمتَ أهلك ووِلدَك ؟! أترى الله أحلَّ لك الطيِّبات وهو يكره أنْ تأخُذها ؟! أنت أهون على الله مِن ذلك ...) .
[1] مُلاحظة : لمعرفة نصِّ الكلام راجع نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) جمعه الشريف الرضيِّ .