بشوق وخلوص نيَّة . وكان لبراعته في الخطابة وحرارة تلاوته القرآن ، وحُسن أخلاقه في مُعاشرة الناس وتدبُّره في حَلِّ المشاكل وإزالة الخلافات ، الأثر البالغ في نفوس الناس ، الذين انشدُّوا إليه وإلى مَلكاته الحَسنة مِن حيث لا يشعرون .
ولم يمضِ وقت طويل حتَّى توجَّه إليه الناس نساءً ورجالاً ، شيوخاً وشُبَّانً ، رؤوساء عشائر وأفراد عاديِّين ؛ ليُعلنوا اعتناقهم الإسلام ويتعلَّموا القرآن مُطهِّرين قلوبهم مِن الأحقاد والأضغان ، مُتآلفين مُتآخين ، وأقاموا صلاة الجماعة في صفوف مُتراصَّة .
لقد نفذ مصعب بن عمير الشابُّ مُهمَّته في المدينة على أفضل وجه ، ونال فخراً عظيماً . (إنَّهُ أوّلُ مَنْ جَمَعَ الجُمعَةَ بِالمَدينَةِ ، وأَسْلَمَ على يَدِهِ أُسَيْدُ بْنُ خُضَيْرٍ وسَعْدُ بْنُ معاذٍ ، وكَفى بِذلِكَ فَخْراً وأَثَراً في الإسلامِ) .
لقد كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يعلم جيِّداً ، أنَّ هناك في المدينة رجالاً مُسنِّين وشخصيَّات لها مكانتها مِن العصب جِدَّاً أنْ يَمتثلوا لأوامر شابٍّ بعمر مصعب ، وكان بمقدور النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنْ يختار مِن بين أصحابه أكبرهم سِنَّاً ليكون مبعوثاً له إلى المدينة ، أو أنْ يختار عدداً مِن الرجال يُشكِّلوا بعثة تتولَّى هذه المسؤوليَّة ، ولكنَّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يختر سوى مصعب بن عمير الشابَّ ، لتحميله هذه المسؤوليَّة وإيفاده إلى المدينة ، التي كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ـ وقتها ـ يعتبرها بلداً مُهمَّاً ، يثبت لأنصاره ومواليه أنَّ الشرط الأساسي ، الذي يُخوِّل المرء لتسلُّم أهمِّ المناصب والمسؤوليَّات في الإسلام ، هو اللياقة والكفاءة وليس سنوات العمر ، فإذا ما وجد بين جيل الشابَّ لبلد ما مِن هم أفاء يجب الاعتماد عليهم وتسليمهم زمام الأمور لإدارة البلاد [1] .