و الأجر لجدهم الأعظم فيما تحمل من عناء التبليغ و أعباء أداء الرسالة.
و بعد ذلك الحث على الإنفاق عموما، و تشريع الزكاة و الخمس خصوصا، هل قنعت و استكفت سعة تلك الرحمة و بليغ هاتيك الحكمة؟
هل اكتفت للفقراء و العناية بهم بكل ذلك؟كلا، بل فتحت في التشريع الإسلامي باب «الكفارات» ، و هو باب واسع يدخل في أكثر العبادات و غير العبادات من المحرمات و غير المحرمات، فقد مشت و فشت فريضة هذه الضريبة حتى في الصلاة، و تكثرت في الصوم و الاعتكاف و الحج و الإيلاء و الظهار و النذر و اليمين و قتل الخطأ، بل و العمد و غير ذلك مما يجد المتتبع في أكثر أبواب الفقه، و هو إطعام للفقراء تارة، و كسوة أخرى، و عتق ثالثة.
جمعت الشريعة الإسلامية بسعة رحمتها و عظيم حكمتها بين رعاية الفضل و العدل، و أقامت قواعد الاقتصاد و الاعتدال في بذل الأموال و لمّا ندبت و بالغت في الحث على الإنفاق في سبيل اللّه، و تدرجت فيه إلى أبعد غاية الإنفاق من فاضل المال و حواشيه أولا، لا من صلبه، ثمّ المواساة و المشاطرة من صميمه ثانيا وَ اَلَّذِينَ فِي أَمْوََالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ `لِلسََّائِلِ وَ اَلْمَحْرُومِ[1] ، ثمّ الإيثار على النفس ثالثا وَ يُؤْثِرُونَ عَلىََ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كََانَ بِهِمْ خَصََاصَةٌ[2] .
و هذا أقصى ما يتصور من السخاء و الكرم و الردع عن رذيلة البخل و الشح، و حذرا من أن تطغى هذه العاطفة فتجحف بالمال و تضر بالأهل و العيال، و يضطرب بها حبل المعيشة و العائلة. تداركت الشريعة ذلك و عدلت هذا العمل
[1] -سورة المعارج، الآية 24-25؛ و في سورة الذاريات، الآية 19 قوله تعالى: وَ فِي أَمْوََالِهِمْ حَقٌّ لِلسََّائِلِ وَ اَلْمَحْرُومِ .