[5]. و ذلك لان كل فرقة من الفرق المخالفة له عليه
السلام و الذين كانوا يقولون بإمامته و لكن تحزبوا عن مشرب أهل البيت عليهم السلام
تدريجا قد يتأولون القرآن في طول الزمان-- بآرائهم الساقطة، و عقولهم القاصرة عن
فهم الخطاب، و ظنونهم البعيدة عن الصواب، و هم يزعمون أن ما توهموه من الآيات هو
الحق الثابت المبين، و ما وراءه باطل، و كذلك يبنون أسسهم الاعتقادية على أساطير مشمرجة،
و أباطيل مموهة، فإذا قام القائم عليه السلام بالدعوة الإلهيّة، و صدع بالحق و
أعلن دعوته، و دعا الناس الى كتاب اللّه و سنة نبيه( ص)، يتلعثم هؤلاء قليلا في
أمره و فيما دعاهم إليه فيجدونه مغايرا لما هم عليه من الدين، مخالفا لما اعتقدوه
باليقين، بل يكون داحضا لاباطيلهم، ناقضا لما نسجوه على نول خيالهم، فجعلوا
يعارضونه و يخالفونه، فيسلقونه أولا بألسنتهم و يكفرونه في أنديتهم، و يسخرون منه
و يقدحون فيه، و بالأخرة يبارزونه و يقاتلونه، بل يدعون الناس الى مقاتلته، كل ذلك
دفاعا عن دينهم الباطل و رأيهم الكاسد الفاسد، حسبان أنّه حقّ ثابت و الدفاع عنه
فرض واجب، و يتقربون بذلك إلى اللّه سبحانه. و هذه الطائفة أشدّ نكالا عليه صلوات
اللّه و سلامه عليه. ثم جبابرة الزمان و رؤساء الضلال و أعوانهم، حيث يقوم عليه
السلام باستيصال دولتهم، و قطع دابرهم، و اجتثاث أصولهم فانهم لا يتقاعدون عن
محاربته و لا يفترون عن منازعته بل يقوم كل ذى صيصية بصيصيته. مضافا الى كل ذلك
مخالفة المستأكلين بالدين بالباطل الذين يتظاهرون به و لا يكونون من أهله، فانهم
يذهبون في اطفاء نوره كل مذهب و يعاندونه بكل وجه ممكن، و خطر هؤلاء أعظم عليه من
الطائفتين الأوليين، و يأبى اللّه الا أن يتم نوره و لو كره الكافرون.
و أمّا المشركون في عصر الدعوة
النبويّة فجلهم بل كلهم معترفون في ذات أنفسهم بأن الذي اعتقدوه من عبادة الأصنام
هو شيء اخترعوه و لا برهان له عقلا و انما هو شيء وجدوا عليه آباءهم فهم على
آثارهم مقتدون، فلذا ترى أكثرهم كانوا غير مصرين على أمرهم ذلك و و انما صرفهم عن
التصديق استكبارهم و نخوتهم و اتباعهم الهوى و نزوعهم الى الباطل فخالفوه( ص)
ابقاء لرئاستهم و انتصارا لخلاعتهم و استيحاشا من التكليف و ما شابه ذلك، و الفرق
واضح بين، غير أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بدء دعوته كان مأمورا بانذار
عشيرته الاقربين، ثمّ كلف بدعوة قريش، ثمّ بقية العرب، ثمّ جميع الناس كافة على
التدريج. لكن دعوته عليه السلام دعوة عالمية و لا تختص باقليم دون اقليم و تكون في
ساعة واحدة يسمعها جميع من في البسيطة.