______________________________
-
بآرائهم الساقطة، و عقولهم القاصرة عن فهم الخطاب، و ظنونهم البعيدة عن الصواب، و
هم يزعمون أن ما توهموه من الآيات هو الحق الثابت المبين، و ما وراءه باطل، و كذلك
يبنون أسسهم الاعتقادية على أساطير مشمرجة، و أباطيل مموهة، فإذا قام القائم عليه
السلام بالدعوة الإلهيّة، و صدع بالحق و أعلن دعوته، و دعا الناس الى كتاب اللّه و
سنة نبيه (ص)، يتلعثم هؤلاء قليلا في أمره و فيما دعاهم إليه فيجدونه مغايرا لما
هم عليه من الدين، مخالفا لما اعتقدوه باليقين، بل يكون داحضا لاباطيلهم، ناقضا
لما نسجوه على نول خيالهم، فجعلوا يعارضونه و يخالفونه، فيسلقونه أولا بألسنتهم و
يكفرونه في أنديتهم، و يسخرون منه و يقدحون فيه، و بالأخرة يبارزونه و يقاتلونه،
بل يدعون الناس الى مقاتلته، كل ذلك دفاعا عن دينهم الباطل و رأيهم الكاسد الفاسد،
حسبان أنّه حقّ ثابت و الدفاع عنه فرض واجب، و يتقربون بذلك إلى اللّه سبحانه. و
هذه الطائفة أشدّ نكالا عليه صلوات اللّه و سلامه عليه. ثم جبابرة الزمان و رؤساء
الضلال و أعوانهم، حيث يقوم عليه السلام باستيصال دولتهم، و قطع دابرهم، و اجتثاث
أصولهم فانهم لا يتقاعدون عن محاربته و لا يفترون عن منازعته بل يقوم كل ذى صيصية
بصيصيته. مضافا الى كل ذلك مخالفة المستأكلين بالدين بالباطل الذين يتظاهرون به و
لا يكونون من أهله، فانهم يذهبون في اطفاء نوره كل مذهب و يعاندونه بكل وجه ممكن،
و خطر هؤلاء أعظم عليه من الطائفتين الأوليين، و يأبى اللّه الا أن يتم نوره و لو
كره الكافرون.
و أمّا المشركون في
عصر الدعوة النبويّة فجلهم بل كلهم معترفون في ذات أنفسهم بأن الذي اعتقدوه من
عبادة الأصنام هو شيء اخترعوه و لا برهان له عقلا و انما هو شيء وجدوا عليه
آباءهم فهم على آثارهم مقتدون، فلذا ترى أكثرهم كانوا غير مصرين على أمرهم ذلك و و
انما صرفهم عن التصديق استكبارهم و نخوتهم و اتباعهم الهوى و نزوعهم الى الباطل
فخالفوه (ص) ابقاء لرئاستهم و انتصارا لخلاعتهم و استيحاشا من التكليف و ما شابه
ذلك، و الفرق واضح بين، غير أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بدء دعوته كان
مأمورا بانذار عشيرته الاقربين، ثمّ كلف بدعوة قريش، ثمّ بقية العرب، ثمّ جميع
الناس كافة على التدريج. لكن دعوته عليه السلام دعوة عالمية و لا تختص باقليم دون
اقليم و تكون في ساعة واحدة يسمعها جميع من في البسيطة.