فلو سألنا العقل عن حكمه في الواقعة المشكوك حكمها: هل يجوز اقتحامها عقلًا؟ فبناءً على مسلك حقّ الطاعة يحكم العقل بعدم جواز اقتحام الواقعة المشكوكة؛ لأنه يرى أنّ كلَّ انكشافٍ منجّزٌ حتى لو لم يكن قطعيّاً، و يطلَق على حكم العقل هذا «أصالة الاشتغال» أو «أصالة الاحتياط العقلي»، و بذلك يكون هذا الأصل وفق مسلك حقّ الطاعة أعمّ الأصول العملية على الإطلاق.
و لو سألنا العقل مرّة أخرى: هل هذا التنجيز للحكم المشكوك مطلق و ليس معلّقاً على عدم ورود ترخيص من الشارع؟ فسيكون جوابه بأنّ التنجيز معلّق؛ لأنّ الحجّية و المنجّزية ملازمة لأوامر المولى و قائمة على أساس حقّ طاعته، فله أن يتنازل عن حقّه و يرخّص في أوامره متى شاء.
و معنى هذا الجواب: أنّ النوبة لا تصل إلى هذا الأصل العملي أي: أصالة الاحتياط إلّا بعد أن يبحث الفقيه في الشريعة ليرى هل أذِن المولى في ترك الاحتياط تجاه هذه الواقعة المشكوك حكمها؟ فإذا بحث و يئس من وجود مثل هذا الإذن، حدّد للمكلّف وظيفته العملية وفقاً لهذا الأصل، و أمّا إذا وجد مثل هذا الإذن فله أن يرفع يده عن حكم العقل بالاحتياط؛ لأنّ المفروض أنّ هذا الحكم كان معلّقاً على عدم ورود إذن و ترخيص من الشارع، فإذا ورد مثل هذا الترخيص ارتفع تنجيزه و جاز للمكلّف أن
يقتحمه.
فالفقيه إذاً يرجع إلى الشرع ليجد المؤمّن في بعض الحالات و ليرفع يده عن أصل الاحتياط العقلي دون أن يكون هناك أيّ تنافٍ بين حكم
[1] كما هو الحال في مسلك المشهور (قبح العقاب بلا بيان).
نام کتاب : الدروس شرح الحلقة الثانية نویسنده : الحيدري، السيد كمال جلد : 1 صفحه : 181